ومثال آخر أورده القرطبي هو قوله تعالى: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتائ ذِى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون " (النحل، آية: 90).

وكيف أن الوليد بن المغيرة، لما سمع هذه الآية وهو من أفصح قريش وكان من أشد أعداء الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وأن أعلاه لمثمر مورق وما يقول هذا بشر (?)، وقد جرت مناظرة بين أحد قساوسة بلنسية بالأندلس وأبي علي بن رشيق التغلبي، حول فصاحة القرآن، حيث بدأ القسيس يتكلم حول إعجاز القرآن، وأن العرب – وهم الفصحاء والبلغاء – عجزوا عن الإتيان بشيء مثله، وأن هذا التحدي باق إلى آخر الدهر فوافقه ابن رشيق على ذلك، بعد ذلك أفصح القسيس عما يريد الوصول إليه، فذكر كتاب المقامات للحريري مدعيا أن الأدباء والشعراء، عجزوا عن معارضته، وأن الحريري قد أنشد بيتين اثنين في إحدى المقامات وتحدى أن يعززهما أحد بثالث، وإن السنين انصرفت وما أتى أحد بثالث لهما رغم دَرْس الناس لتلك المقامات وتداولها بينهم، وانتهى إلى القول على ضوء ما سبق: أن ما أتى به الحريري كلام فصيح يصح أن يكون معجزة وليس هو بنبي، فإذا حصل ذلك فإن نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تثبت بمسألة التحدى المنصوص عليه بالقرآن، فلما أخذ ابن رشيق يرد عليه بالأدلة والبراهين العلمية، أخذ القسيس يرد عليه بقوله: قد سمعت هذا وناظرني فيه فلان في تلك الأثناء انقدح في ذهن ابن رشيق بيت ثالث على شاكلة بيتي الحريري، فساقه للقسيس، الذي راح يفهمه لمن معه، وعند ذلك انقطعت حجة القسيس، وكانت النتيجة كما يقول ابن رشيق: إنه انفصل عنهم وهم كالمسلمين في انقطاع شبهتهم (?).

- إثبات إعجازه يلفت النظر إلى طريقة نظمه وأسلوبه الغريب:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015