بل إنه في بعض جبهات القتال لطول المخالطة والمواجهة بين الفريقين أنس البعض بالبعض بل وتجري في بعض الأحيان ألعاب ومسابقات على سبيل الترفيه بين الطرفين (?) وكان التجار المسلمون والنصارى على حال من الاختلاط والمعاملة التي أزالت كثيراً من الحدة والحقد والعداء الشديد الذي كان يحمله غالب الصليبيين في بداية قدومهم. وقد قال ابن جبير عن ذلك: .. واختلاط القوافل من مصر إلى دمشق على بلاد الإفرنج غير منقطع، واختلاف المسلمين إلى عكا كذلك .. والاتفاق بينهم والاعتدال في جميع الأحوال، وأهل الحرب مشغلون في حربهم .. ولا تعترض الرعايا ولا التجار فالأمن لا يفارقهم في جميع الأحوال سلماً وحربا (?). وقال أحد الكتاب الغربيين مبيناً تبدل النظرة لدى متأخري الصليبيين عن سابقيهم: ... ولقد تحدث بعض المؤرخين أمثال وليم كبير أساقفة صور عن الحضارة الإسلامية حديثاً ملؤه الإجلال بل الإعجاب في بعض الأحيان لو سمعه المحاربون في الحملة الصليبية الأولى لهزمهم وصدم مشاعرهم وكبرياءهم (?)، ولا أدل على تبدل هذه النظرة من سماح الصليبيين للمسلمين الخاضعين لحكمهم من ممارسة شعائرهم الدينية كما في عكا، وطرابلس، وأنطاكية وجبلة وغيرها وكان أسلاف هؤلاء في حملتهم الأولى حينما رأوا لأول مرة مسجداً في القسطنطينية تقام فيه الصلاة أحرقوه بما فيه (?)، وقد بين توماس آرنولد هذه الحقيقة وهي أنه ليس عامة الصليبيين، فحسب هم الذين تغيرت نظرتهم إلى المسلمين، بل إن علماء اللاهوت المسيحي قد أدى إختلاطهم بالمسلمين إلى تكوين رأي أكثر إنصافاً عن الإسلام (?).