وهذا دليل على ما قيل. ومدينة غانة مدينتان، إحداهما يسكنها الملك والأخرى يسكنها الرعية والتجار والسوقة، بينهما الدور والمساكن نحو 6 أميال متصلة.
وفى مدينة الرعية جامع كبير ومساجد كثيرة، وفيها الأئمة المؤذنون والفقهاء والعلماء، وحواليها آبار عذبة منها يشربون، وعليها الخضر والمقاتى. ومدينة الملك تسمى الغابة، وللملك بها قصر عظيم وقباب، قد أحاط بذلك كله حائط مثل السور، وعلى مقربة مجلس حكم الملك، وحول قصره قباب وغابات وشعراء يسكنها السحرة وأهل ديانته، وفيها دكاكيرهم وقبور ملوكهم، ولها حرس فلا يمكن أحد من الغرباء دخولها ولا معرفة ما فيها، وهناك سجون الملك فإذا سجن أحدا انقطع خبره. وفى مدينة الملك مسجد يصلى فيه من يفد عليه من تجار المسلمين. والملك يجلس للناس للحكم فى قبة عظيمة وأمام القبة عشرة أفراس من عتاق الخيل، وعليها الحلل المذهبة من الحرير والديباج على عدمها ببلادهم. والملك يتحلى بحلى النساء «ا» فى عنقه وذراعيه، ويحمل على رأسه طرطورا مذهبا ويعمم عليه عمامة قطنية، وعن يمينه وعن يساره أبناء الملوك والوزراء وخاصته من أعيان بلده، قد ضفروا رؤوسهم بالذهب والجوهر وعليهم الثياب الرفيعة. ولا يلبس ثوبا مخيطا من أهل دينه إلا هو وولى عهده، ومن سواهما يلبسون ملاحف الحرير والديباج، وسائر أهل بلده يلبسون ملاحف القطن. والملك وسائر أهل بلده الذين على ديانته يحلقون لحاهم ونساؤهم يحلقن رؤوسهن. ولا يولى الملك عهده إلا لابن أخته وهو يشك فى ابنه ولا يقطع بصحة اتصاله به، وإذا جلس الملك فى قبته لمظالم الناس ينذرون لجلوسه بطبل عظيم يسمونه دبا «ب» ، وهو خشبة طويلة منقورة قد جلّدوها لها صوت هائل يجتمع الناس إليه، فإذا دنا منه أهل دينه جثوا على ركبهم وحثوا التراب على رؤوسهم. وأما المسلمون فتحيتهم عليه تصفيق باليدين، وجلوس الوزراء أمامه إنما هو على الأرض تواضعا للملك. وإذا مات الملك عملوا له قبة ووضعوا له الأطعمة والأشربة وكل من كان يخدم طعامه وشرابه، وأغلقوا عليهم باب القبة وجعلوا فوقها الحصى والأمتعة، واجتمع الناس فردموا فوق القبة بالتراب حتى يأتى الموضع مثل الجبل الضخم، ثم يحتفرون حوله حفيرا