قال الداعى خرجت يوما إلى شاطئ دجلة لأتفرج، فجلست على ضفة النهر أقرأ سورة الكهف فإذا بشيخ حسن الملبس والمركب معه غلام ففرش له على ضفة النهر، فجلس وأنا أقرأ حتى انتهيت إلى قوله تعالى: «حتى إذا لقيا غلاما فقتله» إلى قوله: «فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا» إلى آخر الآية. فقال لى الشيخ: أنت تزعم ممن يقول بالعدل والتوحيد؟ قلت له نعم. قال فكيف تقتل نفسا خشى أن يكون وأن لا يكون؛ فقلت له إنى لعلم هذا لفقير؛ فقال لى سأعلمك إذا التقينا إن شاء الله. ثم ركب دابته وانصرف، فسألت غلامه من هو فقال لى: هو محمد بن اسماعيل بن الحسن بن على بن جعفر بن على ابن موسى بن جعفر بن على الصادق بن على زين العابدين بن الحسين بن على ابن أبى طالب رضه وعن جميعهم. قال الداعى فعند ما سمعت ذلك لم أتمالك أن قبلت رأس الغلام وتعلقت بركاب الشيخ، وضرعت إليه أن يعلمنى السبيل إلى معرفة الإمام؛ فأشار إلى فى الوصول إلى منزله، فسرت معه فأدخلنى ووجدت ولده عبيد الله ومعه أحد عشر رجلا، فقال لهم هذا ثانى عشرتكم. فأنزلنى أرفع منزلة فلما استقربى المجلس قال لى: قدحان وقت ظهور الإمام وهذه الدعاة خارجة إلى الأقطار، وأنا أريد توجهها إلى المغرب لأن جعفر بن محمد الصادق زرع بالمغرب بذرا فأنت تحصده إن شاء الله؛ اذهب إلى مكة فإنك ستجد بها قوما من كتامة فاعرض نفسك لهم فى تعليم أبنائهم؛ فإذا وصلت معهم إلى بلادهم فأعلمهم بظهور الإمام وأن زمانه قدحان وخاطبنا. فإذا استوثق الأمر نهضنا إن شاء الله، ودفع إلى مالا وشيعنى فأنصرفت وأنا متعجب من دعواه، ومرتاب فى أمره. فلما عاينت خروج الدعاة وحدهم احتسبت نفسى من جملتهم، فسرت إلى مكة- كرمها الله- فألفيت كتامة، فعرضت نفسى عليهم، فتلقونى بالقبول، وسرت معهم إلى بلادهم فنزلت فى بجاية بالجبل المعروف ببنى زلدوى. وجعلت أعلم أبناءهم، فقالوا نحن أحوج إلى التعليم منك من أبنائنا فجعل يقول لهم: هذا زمان الإمام المهدى الفاطمى قد حضر، وذلك فى خلافة عبد الله سنة 280- 893] . وكان الداعى يأخذ صدقانهم، وعشوراتهم وأمرهم بالدعوة إلى ما دعاهم إليه، وقتل من خالفهم الى أن مات الشيخ والد عبيد الله، وهرب الولد فارا إلى مصر، فلم يعلم بدخوله فيها. وقد كانت