الضفة الثانية نظن أنك تطير فى الهواء، وترى ماء النهر الكبير فى قعر الخندق البعيد المهوى مثل الجدول الصغير. وهذه المدينة من عجائب العالم قد دخلتها مرارا وتأملت آثارها ودخلت مواضع كثيرة فيها آثار للأول فتأملتها، وكان لى فى ذلك غرض. وهى على نظر واسع وقرى كثيرة عامرة آهلة، وهى كبيرة الخصب والزرع ولها بساتين كثيرة الفواكه، لكنها شديدة البرد والثلج كثيرة الرياخ لعلوها وارتفاعها. وأقرب بمدينة القسنطينة من رأس البحر مدينة القلّ بينهما نحو المرحلتين أو أقل.
مدينة ميلة «1» : مدينة أزلية فيها بعض آثار للأول تدل على أنها كانت مدينة كبيرة. وهى الآن عامرة آهلة كثيرة الخصب رخيصة السعر، على نظر واسع وقرى عامرة. وميلة كثيرة الأسواق والمتاجر، عليها سور صخر جليل من بناء الأولين. وفى وسط المدينة عين خرارة عذبة من بناء الأوائل لها سرب كبير يدخل فيه فلا يوجد له آخر، ولا يعلم من أين يأتى ذلك الماء. ويقال إنه مجلوب من جبل بالقرب منها يسمى تامروت، وتعرف هذه العين بعين أبى السباع. وبالقرب من ميلة جبل العنصل يسمى اليوم جبل بنى زلدوى «ا» وهم قبائل كثيرة «ب» من البربر سكنوا بذلك الجبل، ولهم خلاف كثير على الولاة بسبب منعة جبلهم؛ وفيه مدن وعمائر وقرى كثيرة وهو أخصب جبال «ج» إفريقية؛ فيه جميع الفواكه من التفاح الجليل والسفرجل الذي لا يوجد مثله فى بلد والأعناب الكثيرة. وعلى الطريق من مدينة ميلة إلى قلعة أبى طويل وهى قلعة حماد، مدينة سطيف «2» ، بينها وبين ميلة مرحلة. وهى مدينة قديمة أزلية كان عليها سور صخر قديم خربه كتامة مع أبى عبد الله الشيعى.
ومدينة سطيف رخيصة الأسعار كثيرة الفواكه والثمار، غزيرة المياه والأنهار والبساتين والأشجار.