فتعلم أنهم فى أمر الماء. وكان على أحد أبوابها كتابة منقوشة فى حجر من عمل الأول ترجم فإذا هو: هذا بلد تحقيق وتدقيق.
وكذلك ليس بإفريقية حريم أجمل من حريم قفصة مع ملاحة أخلاقهن ورخامة منطقهن «ا» ؛ ويسمون الماء الذي يخرج من المدينة فيسقى نصف جناتهم «الماء الداخل» ، ويسمون الماء الذي خارج المدينة، وهو عين المنستير وماء وادى بايش «بالماء الخارج» . ولهم مياه غير هذه تسمى بالماء الصغير «ب» ، وهى عيون كثيرة بقرب المدينة تسقى بعض جناتهم. وسقيهم بها بالساعات؛ وترى خدام تلك الجنات والبساتين أعرف الناس بأوقات النهار. إذا سألت رجلا منهم لا يفقه شيئا عما مضى من ساعات النهار، وقف ونظر إلى الشمس واكتال بقدميه فى موضع ظله، ويقول لك مضى كذا وكذا ساعة وكذا وكذا سدس من الساعة. وأهل قفصة يتنافسون فى هذه المياه، ويتابعون سقيها بأغلى ثمن. ولمدينة قفصة غابة كبيرة قد أحاطت بها من كل ناحية مثل الإكليل، فى تكسير دائرتها نحو 10 أميال «ج» ، فيها من المنازل التى تعرف بالقرى 18 منزلا. وعلى الغابة والمنازل والكل حائط يسمونه «سور الغابة» . وفى ذلك السور أبواب عظام عليها أبراج مسكونة، يسمون تلك الأبواب: الدروب. وغابة قفصة كثيرة النخل والزيتون وجميع الفواكه التى ليس فى بلد مثلها: فيها تفاح عجيب جليل زكى الرائحة يسمونه السدسى، لا يوجد فى بلد مثله؛ وكذلك الرمان والأترج والموز لا يوجد مثلها «د» فى بلد. وفيها نوع من التمر يسمى بالكسبا، ليس مثله فى بلد وهو أكثر تمرهم؛ يكون فى التمرة فتر فى جرم بيض الدجاج، تكاد تنفذها ببصرك لصفاء لونها ورقة بشرتها. وهم يجعلونه فى أزيار، فإذا أخرجوه منها بقى فى قعر الزير عسل ألذ من عسل النحل وأعطر؛ وهم يصرفونه فى طعامهم كما يصرف العسل عندنا وتعمل منه الحلاوات «ر» . وقفصة أكثر البلاد فستقا حتى إننى أظن «س» أنه ليس بإفريقية فستق إلا فيها؛ ومنها يجلب إلى إفريقية وبلاد المغرب، وبلاد الأندلس وبلاد مصر. فإن الذي يجلب من بلاد الشام صغير الجرم ليس مثل