الأوروبية ليكون المبحث تامًا من كل وجه فنقول:
يطلق التنجيم عند الأوروبيين على صناعة الإنباء بالحوادث المستقبلية من النظر في الكواكب والحوادث العلوية. وقد رأى العلماء الباحثون في أساطير كل أمة أقوالا عن هذه الصناعة وإن لم تكن بالغة من الإتقان مبلغًا يرفعها إلى درجة العلوم المقررة. أول أمة رقت هذا العلم إلى درجته المعروفة هي أمة الكلدانيين، ثم أخذه عنهم المصريون الأقدمون وعن هؤلاء أخذه اليونان فنقله عنهم الهنديون والرومانيون. وانتقل هذا العلم من العالم القديم إلى القرون الوسطى، واشتغل به ناس كثيرون وعكفوا عليه وما زال آخذًا من الأذهان محلا إلى القرن الماضي حيث انتشرت العلوم الكونية وعرف الناس حقائق الأجرام السماوية فقل الاشتغال به وكاد يزول لولا أن العالم لا يخلو في كل زمان من رؤوس لا ترى لها لذة إلا التمسك بكل قديم وإن ناقض العقل والحس معًا، ولا تزال هذه الصناعة تأوي إلى رؤوس في الشرق والغرب فيتلقف بعض الناس ما يقوله أهلها كأنه الوحي، ويذهبون في النظر فيه وتأويله وتوجيهه كل مذهب ويلتمسون لقائليه الأعذار مهما كذبتهم الحوادث حتى إننا لنرى أن من الناس من يسهل عليه أن يتهم عقله في فهم أقوال أولئك الأفاكين ولا يسهل عليه أن يتهمهم بالإفك.
على أن مبنى هذه الصناعة ظاهر البطلان، لا يحتاج إلى إطالة بيان، وذلك أن أكثر الأقدمين كانوا يؤلهون الكواكب ويعبدونها وكانوا يتخيلون أن لكل منها نصيبًا من إرادة الكون، وكان الكلدانيون والمصريون من أكثر الأمم تشبثًا بهذه العقيدة، فلا عجب أن تكون صناعة التنجيم نتيجة لازمة لهذه العقائد الباطلة، فما دامت الكواكب آلهة وأبناء آلهة وأن لها أرواحاً وحياة وتصريفاً في الكون فما الذي يمنع من تعرف إرادتها، بوجهة حركاتها، أو بوقت اقترانها بسواها، فلما جاء الإسلام وأسقط الآلهية الخيالية والحسية وقرر عبادة الخالق الحق وحده لم يبق لصناعة التنجيم مجال لأن طبيعة الإسلام تنافي التأثير لغير الله أهـ.
وقال فريد وجدي في دائرة معارفه عن الكهانة:
والكهانة هي استخدام الجن في معرفة الأمور المغيبة، وقد كانت هذه الصناعة معروفة عند العرب فكان إذا ناب أحدهم أمر يريد معرفة دخيلته أو مستقبله منه ذهب إلى الكاهن