فالعلوم التي لا توصل الإنسان إلى النجاة في الآخرة لا تساوي شيئاً، ومن ههنا انصب التذكير والحض على تعلم العلوم الدينية، سواء كانت مفروضة فرض عين أو فرض كفاية، هذا مع أنه قد رأينا أن كل ما تحتاجه إقامة الدنيا على ضوء الشريعة هو من فرائض الكفاية التي تصبح في حق بعض الأشخاص فريضة عينية، لكنها مع ذلك تأتي في الدرجة الثانية.
* * *
وقولنا إن العلوم الدنيوية تأتي في الدرجة الثانية إنما هو في الشرف والفضل عند الله وعند أهل الإيمان، وليست بالضرورة في الأجر، فقد يؤجر الإنسان على إقامة فرض كفاية دنيوي أكثر بكثير من أجره على فرض كفاية ديني.
فمثلاً من فروض الكفاية الدينية تعلّم علم القراءات ومن فروض الكفاية في عصرنا تعلّم علوم الذرة ولو قدر أن بعض المسلمين توجهوا بإخلاص نحو هذه العلوم الكفائية الدنيوية وفتح الله عليهم بها، وترتب على ذلك أن وُجِدَ وضعٌ جديد قَويَ به الإسلامُ والمسلمون مع ضرورة كل من العلمين علم القراءات وعلم الذرة، ترى أن القائمين بفرض الكفاية هذين أكثر أجراً؟ ربما كا الثاني أعظم أجراً. إنه لا يبعد أن يكون القائم ببعض فروض الكفاية الدنيوية أكثر أجراً من القائم بفرض من فروض الكفاية في العلوم الدينية إذا صحت النيات، ولكن على العموم فعلوم الشريعة أشرف وأفضل وأكثر أجراً، وكلما كان العلم أقرب إلى اللب كان أفضل، ويتناقض كلما ابتعدنا عن الغايات إلى الوسائل مع أن الجميع فرض كفاية.
فالاختصاص والتبحر في علم الكتاب والسنة والفقه وأصوله أفضل من الاختصاص في علوم اللغة، مع أن علوم اللغة لابد منها لفهم الكتاب والسنة وإدراك كيفية استنباط الأحكام.
* * *
وعلى كل الأحوال سواء كان العلم فرض عين أو فرض كفاية وسواء كانت فروض الكفاية دينية أو دنيوية، فإذا صحت النية فإنَّ العلم من أفضل العبادات، لأنه في العلوم