ونختم هذا الباب بتعليق:
هذه السيرة العامرة العطرة النظيفة قبل النبوة، كانت من أعظم التمهيدات للنبوة وللثقة بصاحبها، فإذا ما اجتمع إلى ذلك التمهيدات القديمة لهذه النبوة، فإن رصيداً ضخماً من المقدمات أوصل إلى أن يستقبل هذا العالم النبوة الخاتمة كاستقبال المطر، فلا غرو أن تنتشر رسالته هذا الانتشار.
انظر إلى وصفه من قومه بالأمين قبل النبوة.
انظر إلى وصف خديجة له - بما معناه - من أنه يصل الرحم، ويحمل المنقطع، ويقري الضيف، ويغيث الملهوف، ويعين على نوائب الحق.
ثم انظر إلى البشارات به في النبوات السابقة، واصطفائه من العرب الأمة الفطرية، واختياره من ذرية إبراهيم لتكون له عراقة النبوة.
وانظر إلى ما اختار الله له من كمال الاسم والنسب والتركيب الخلقي والخُلقي، وإلى الإرهاصات التي رافقت حياته الأولى.
ثم انظر إلى ما سخره الله له وما هيأه له من علاقات نظيفة، وما كان فيه من فقر وعمل ويُتْمٍ وحلم وبُعد عن التطلعات الهابطة أو التطلعات الدنيوية.
فإنك تجد في هذا كله قوة الأساس للمرحلة اللاحقة (مرحلة النبوة).
إن هذا وغيره ليدل على أن قدر الله يسوق كل شيء لصالح هذه النبوة وهذه الرسالة، فلقد سبقت هذه الرسالة بمرحلة ممتدة في الزمان. وُجِدَت فيها كل المقدمات التي تخدم الدعوة الخاتمة من مكانة قريش بين العرب، والنسب إلى إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - وحفظ النسب من السفاح والضياع، وأخذ العهد على الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أن يؤمنوا بمحمدٍ إذا بعث، وما سبق من تعميق قضية النبوة في الحياة البشرية.