عباسٍ غداة أصيب- وكان إذا مرَّ بين الصفين قال: استوُوا، حتى إذا لم ير فيهم خللاً تقدمَ فكبر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس - فما هو إلا أن كبر فسمعتهُ يقول: قتلني - أو أكلني-الكلبُن حين طعنه، فطار العِلجُ بسكينٍ ذات طرفين، لا يمر على أحدٍ يميناً ولا شمالاً إلا طعنهن حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة. فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرنساً، فلما ظنَّ العِلجُ أنه مأخوذ نحر نفسه. وتناول مرُ يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهم يقولون: سبحان الله. فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس، انظر من قتلني. فجال ساعة، ثم جاء فقال: غلامُ المغيرة. قال: الصِّنَع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله، لقد أمرتُ به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك تُحبان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً. فقال: إن شئت فعلتُ- أي إن شئت قتلنا. قال: كذبت، بعد ما تكلموا بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا حجِّكم. فاحتُمِل إلى بيته، فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تُصبهم مُصيبة قبل يومئذٍ: فقائل يقول: لا بأس، وقائل يقول: أخاف عليه. فأُتي بنبيذٍ فشربه، فخرج من جوفه. ثم أتى بلبن فشربه، فخرج من جُرحه، فعلموا أنه ميت، فدخلنا عليه، وجاء الناس فجعلوا يُثنون عليه. وجاء رجل شابٌّ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببُشرى الله لك، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدَمٍ في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة. قال: وددت أن ذلك كفافٌ لا عليَّ ولا لي. فلما أدبر إذا إزارُه يمسُّ الأرض، قال: ردوا عليَّ الغلام. قال: يا ابن أخي، ارفعْ ثوبك، فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك. يا عبد الله بن عمر، انظر ما عليَّ من الدين. فحسبوه فوجدوهُ ستة وثمانين ألفاً أو نحوه. قال: إن وفى له مالُ آل عمر فأدِّهِ من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب (1)، فإن لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015