والذي يعنينا الآن من هذا الكلام على الرسالة المحمدية ناحية الكمال فيها، وإتمامه ما كان ناقصاً في الديانات السابقة مما يرجع إلى العقائد والأعمال، فأصلحت ما كان من قبل فاسداً، وردَّت البدع الطارئة، وقمعت المفاسد العظيمة الفاشية التي شَوَّهَتْ وجه الإنسانية، وكانت باباً لكل شر، وأصلاً لكل فسادن وبذلك سدت في أصول الدين جميع الثلمات التي تسربت منها المفاسد، التي كانت سبباً في انحطاط الإنسانية عن مستواها الكريم.
ثم سلك في إقامة الحجة على عالمية الإسلام، وأنه التكليف الوحيد للإنسان، وأن أي إنسان لا يكون منسجماً مع فطرته وعقله إلا باتباعه الإسلام، عدة مسالك يطول شرحها ثم سلك في إقامة الحجة في ذلك مسلكاً آخر، هو مسلك التركيز على جوانب بعينها من الرسالة المحمدية تقوم بها الحجة على كل مخلوق.
فتحدث عن التوحيد، وكيف أن الإسلام بواسطته نقل الإنسان من كونه أحط المخلوقات بسبب الشرك إلى أن أصبح سيد الوجود بسبب التوحيد، ثم تحدث عن نظرة الإسلام إلى الإنسان، وكيف أن فطرته بريئة في الأصل، بل كيف أن تكاليف الإسلام هي الفطرة، فالفطرة والدين توأمان بل متطابقان، وأن لإنسان ليس مسؤولاً إلا عن عمله ولا يتحمل وزر من تقدمه أو سبقه أو ولده، أين هذا من الأديان القائلة بالتناسخ، والتي تجعل الإنسان الحالي أثراً عن مل من تقدمه؟ أين ذلك من الأديان التي تجعل الأصل في الإنسان الشر، وتجعله مسؤولاً عن خطيئة أبيه، وتنطلق في التكليف من مبدأ التناقض مع الفطرة؟
إن هذه المعاني وحدها كافية لإقناع المنصف أن الإسلام هو دين الله، وأنه الدين الحق، وأنه ليس أمام الإنسان إلا طريق وحيد هو الإيمان به، والالتزام بتعاليمه، فهو تكليف الله إلى كل الأمم، وقد جعل الله فيه من مشرقات البراهين ما لا يسع المنصف إلا التسليم به.
ثم سلك المؤلف مسلكاً آخر للتدليل على عالمية الإسلام، وأن البشرية مطالبة به، ذلك أن الإسلام هو الذي طالب بالإيمان برسل الله جميعاً، فطالب بالإيمان بهم وعدم التفريق فيما