أراد بقوله: "لا ينبغي لعبدٍ" أو لأحد، غير نفسه، أو أن يكون عاماً فيه وفي غيره من الناس، فيكون هذا على سبيل الهضم وإظهار التواضع لربه، يقول: لا ينبغي لي أن أقول: أنا خير منه، لأن الفضيلة التي نِلْتُها كرامة من الله وخصوصية منه، لم أنلها من قِبَل نفسي، ولا بلغتُها بقوتي، فليس لي أن أفتخر بها، وإنما يجب عليَّ أن أشكر عليها ربي، وإنما خص يونس بالذكر لما قصه الله علينا من شأنه، وما كان من قلة صبره على أذى قومه، فخرج مغاضباً، ولم يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل.
898 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيدُ ولدِ آدم يوم القيامة، وأول من ينشقُّ عنه القبر، وأول شافع وأولُ مُشفعٍ".
وفي رواية للترمذي قال (?): "أنا أولُ من تنشقُّ عنه الأرض فأكسَى الحُلة من حُلل الجنة، ثم أقوم عن يمين العرش، فليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري".
قال النووي: قال العلماء: وقوله صلى الله عليه وسلم "أنا سيد ولد آدم" لم يقله فخراً بل صرح بنفي الفخر في غير مسلم في الحديث المشهور: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" وإنما قاله لوجهين: أحدهما: امتثال قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (?) والثاني أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته ليعرفوه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضاه ويوقروه صلى الهل عليه وسلم بما تقتضي مرتبته كما أمرهم الله تعالى. وهذا الحديث دليل لتفضيله صلى الله عليه وسلم على الخلق كلهم لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة. وهو صلى الله عليه وسلم أفضل الآدميين وغيرهم. وأما الحديث الآخر: "لاتفضلوا بين الأنبياء" فجوابه من خمسة أوجه: أحدها: أنه صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم، فلما علم أخبر به. والثاني: قاله أدباً وتواضعاً. والثالث: أن النهي إنما هو عن تفضيل يؤدي إلى تنقيص المفضول. والرابع: إنما نهى عن تفضيل يؤدي إلى الخصومة