المعاهدات تعتبر سوابق دستورية للحركة الإسلامية في تعاملها مع الآخرين إذا لم تكن منسوخة، نفرض أن هذه المعاهدات نقلت لنا على طريقة المحدثين، وسندها صحيح أو حسن، فالأمر في هذه الحالة واضح، إذ تأخذ هذه الروايات محلها من أصول الأحكام فحكمها حكم السنة النبوية المعتمدة. ولكن لنفرض أن هذه الروايات لم تبلغ هذا المستوى وأجمع عليها كُتَّابُ السير المعتمدون وأئمة هذه الشأن أو اختلفوا، فهل هذه الروايات لا قيمة لها أبداً؟ الذي أذهب إليه أن هذه الروايات إذا لم يكن لها معارض، وكان لها أصل صحيح ترجع إليه، لا تنزل عن أن تكون مذهباً لصاحبها، فإذا كان صاحبها إماماً أو مرجعاً في هذه الشأن صح تقليده، وللمسلمين أن يبنوا على مثل هذه الروايات، والحجية في هذه الحالة لا من حيث إن ما ورد تقوم به الحجة سنداً، لكن من حيث إن من رواه يعتبره جزءاً من السيرة، ويعتبره أهلاً للبناء عليه.

واحتراساً أقول: ليس كل إنسان مرشحاً لأن يفتي بناء على ذلك.

إنني أذهب إلى مثل هذا في كتب التراث، فمن كان من أئمة شأن من الشؤون، وقد وصل إلى أن يكون مرجعاً فيه، وليس متهماً في عقيدته أو ورعه أو علمه، فإن للمسلم أن يعتمد تحقيقه، وأن يبني عليه، قل مثل هذا في كتب الحديث أو التفسير أو الفقه أو السيرة الصادرة عن الراسخين في العلم.

وإنما أوردنا هذه المعاني حتى لا يظن ظان أن كتب السيرة وكتب الحديث يحرم النظر فيها إلا إذا كانت محققة على الأصول الفنية التي هي محل اجتهاد، فذلك باب لو أغلقناه ينسد به باب القراءة للتراث كله، وهذا مخالف للإجماع، فما أحد من أهل العلم في تاريخ هذه الأمة قال: يحرم على المسلم أن يقرأ سيرة ابن هشام أو مسند الإمام أحمد أو سنن الترمذي.

وكذلك أوردنا هذه المعاني هنا للتقديم لعملنا في هذا القسم، فعملنا في هذا القسم أن نذكر الروايات الصحيحة والحسنة الواردة في سيرته - عليه الصلاة والسلام - في أصول هذا الكتاب وقد نذكر ما صح أو حسن من يغر هذه الأصول مع الخدمة التي وعدنا بها، وتحقيق الأغراض التي استهدفناها، ولكنا في الوقت نفسه ننقل خلاصات من أقوال المحققين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015