[سورة ق (50): آية 29]

يبصره من الحق، ورجع بصره الكليل عن الإبصار لغفلته حديدا لتيقظه) واختلف المفسرون بالمراد في الآية على ثلاثة أقوال، رجّح ابن كثير أن المراد بذلك كل أحد من بر وفاجر؛ لأن الآخرة بالنسبة إلى الدنيا كاليقظة، والدنيا كالمنام، وهذا اختيار ابن جرير. قال ابن كثير: الخطاب مع الإنسان من حيث هو

وَقالَ قَرِينُهُ قال النسفي: الجمهور على أنه الملك الكاتب الشهيد عليه، وقال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرا عن الملك الموكل بعمل ابن آدم أنه يشهد عليه يوم القيامة بما فعل ويقول: هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ أي: معد محضر بلا زيادة أو نقصان) والمراد بذلك ديوان الأعمال.

قال ابن كثير: فعند ذلك يحكم الله في الخليقة بالعدل فيقول

أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ بالنعم والمنعم عَنِيدٍ أي: معاند مجانب للحق معاد لأهله، معارض له بالباطل

مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ أي: كثير المنع للمال عن حقوقه، أو منّاع لجنس الخير أن يصل إلى أهله، أي: لا يؤدي ما عليه من الحقوق ولا برّ فيه ولا صلة ولا صدقة مُعْتَدٍ أي: ظالم متخط للحق مُرِيبٍ أي: شاكّ في الله، وفي دينه

الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ أي: أشرك بالله فعبد معه غيره فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ أي: في نار جهنم، والخطاب في قوله تعالى أَلْقِيا في أول الآيات الثلاث وفَأَلْقِياهُ في آخرها للملكين السائق والشهيد. قال ابن كثير:

والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد فالسائق أحضره إلى عرضة الحساب، فلمّا أدى الشهيد عليه أمرهما الله تعالى بإلقائه في نار جهنم، وبئس المصير

قالَ قَرِينُهُ القرين هنا هو الشيطان الذي وكّل به قولا واحدا رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ أي: ما أوقعته في الطغيان، ولكنه طغى واختار الضلالة على الهدى. قال ابن كثير: أي بل كان هو في نفسه ضالا قابلا للباطل معاندا للحق

قالَ الله عزّ وجل لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ قال ابن كثير: يقول الله عزّ وجل (هذا) للإنسي وقرينه من الجن، وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق تعالى فيقول الإنسي: يا رب هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني، ويقول الشيطان: ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد عن منهج الحق، فيقول الرب عزّ وجل لهما: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ أي: عندي وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ أي: قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل وأنزلت الكتب، وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين. قال النسفي: أي لا تختصموا في دار الجزاء

وموقف الحساب فلا فائدة في اختصامكم، ولا طائل تحته، وقد أوعداكم بعذابي على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي، فما تركت لكم حجة عليّ

ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015