[سورة ق (50): آية 22]

وهو أقرب من الإنسان من كل قريب حين يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به، إيذانا بأن استحفاظ الملكين أمر هو غني عنه، وكيف لا يستغني عنه وهو مطلع على أخفى الخفيات، وإنما ذلك لحكمة، وهو ما في كتبة الملكين وحفظهما، وعرض صحائف العمل يوم القيامة من زيادة لطف له في الانتهاء عن السيئات والرغبة في الحسنات)

ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ أي: ما يتكلم به وما يرمي به من فمه إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ أي: حافظ عَتِيدٌ حاضر، وهذا وصف لكل من الملكين، وليس كما فهم بعضهم أن اسم الواحد منهم رقيب، والثاني عتيد. قال النسفي: (ثم قيل يكتبان كل شئ حتى أنينه في مرضه، وقيل لا يكتبان إلا ما فيه أجر أو وزر) ورجّح ابن كثير الأول ثم قال النسفي: (وقيل إن الملكين لا يجتنبانه إلا عند الغائط والجماع) أقول: ولكنهما يعلمان حتى في حالة مفارقته ما يقول ويفعل ويكتبانه، ولنا عودة على هذا في الفوائد

وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ أي: شدته الذاهبة بالعقل بِالْحَقِّ أي: بحقيقة الأمر أو بالحكمة أو باليقين ذلِكَ أي: الموت ما كُنْتَ مِنْهُ أيها الإنسان تَحِيدُ أي: تنفر وتهزب، والمعنى: وجاءت- أيها الإنسان- سكرة الموت بالحق، أي كشفت لك عن اليقين الذي كنت تمتري فيه، وهذا هو الذي كنت تفرّ منه، قال ابن كثير: (واختلف المفسرون في المخاطب .. فالصحيح أن المخاطب بذلك الإنسان من حيث هو، وقيل الكافر، وقيل غير ذلك) قال النسفي في الآية: لما ذكر إنكارهم البعث واحتج عليهم بقدرته وعلمه، أعلمهم أن ما أنكروه هم لاقوه عن قريب عند موتهم وعند قيام الساعة، ونبّه على اقتراب ذلك بأن عبّر عنه بلفظ الماضي وهو قوله وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ ...

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ قال النسفي: يعني نفخة البعث ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ أي: وقت ذلك النفخ يوم الوعيد الذي أوعده الله عزّ وجل خلقه وحذّرهم إياه

وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ قال ابن كثير:

أي ملك يسوقه إلى المحشر، وملك يشهد عليه بأعماله، هذا هو الظاهر من الآية، وهو اختيار ابن جرير

لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا النازل بك اليوم، أي: يقال له ذلك فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ أي: فأزلنا غفلتك بما تشاهده فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ أي: قوي. قال ابن كثير: لأن كل أحد يوم القيامة يكون مستبصرا حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على الاستقامة، لكن لا ينفعهم ذلك، وقال النسفي: (جعلت الغفلة كأنها غطاء غطي به جسده كله، أو غشاوة غطى بها عينيه فهو لا يبصر شيئا، فإذا كان يوم القيامة تيقظ وزالت عنه الغفلة وغطاؤها، فيبصر ما لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015