أبقيت لهم مثله، وأتى أبو بكر - رضي الله عنه - بجميع ماله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وما أبقيت لأهلك؟» فقال: أبقيت الله ورسوله، فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا» . وكذا إن كان لا عيال له، ويعلم من نفسه حسن التوكل على الله والصبر عن المسألة فله ذلك لعدم الضرر، وألا يكن لعياله كفاية ولم يكفهم بمكسه حَرُمَ وحجر عليه لإضاعة عياله؛ ولحديث: «يأتي أحدكم بما يملك، فيقول: هذه صدقة، ثم يقعد يستكف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غِنَّى» رواه أبو داود، وكذا إن كان وحده ولم يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة، وكره لمن لا صبر له على الضيق أن ينقص نفسه عن الكفاية؛ لأنه نوع إضرار به.

وروى أبو داود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يأتي أحدكم بما يملك، فيقول هذه صدقة، ثم يقعد يستكف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى» ، وقال - صلى الله عليه وسلم - لسعد: «إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس» متفق عليه.

قال ابن الجوزي في كتاب «السر المصون» : الأولى أن يدخر لحاجة تعرض وأنه قد يتفق له مرفق فيخرج ما في يده فينقطع مرفقه فيلاقي من الضرر والذل ما يكون الموت دونه فلا ينبغي لعاقل أن يعمل بمقتضى الحال الحاضرة، بل يصور كل ما يجوز وقوعه، وأكثر النَّاس لا ينظرون في العواقب وقد تزهَّد خلق كثير فأخرجوا ما بأيدهم حتى احتاجوا فدخلوا في المكروهات، والحازم من يحفظ ما في يده، والإمساك في حق الكريم جهاد كما أن إخراج ما في يد البخيل جهاد، والحاجة تخرج إلى كل محنة ومن ميَّز شيئًا للصدقة به ثم بدا له الرجوع عن الصدقة سن له إمضاؤه مخالفة للنفس والشيطان، ولا يجب عليه إمضاؤه؛ لأنها لا تملك إلا بالقبض، والمن بالصدقة كبيرة، والمن لغةً: تَعْدادُ النِّعَمِ، والكبيرة ما فيه حَدٌ في الدنيا أو وَعيْدٌ في الآخرة، وزاد شيخُ الإسلام أو تَرتَّبَ عليه لعنةٌ أو غضبٌ أو نَفُي إيمان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015