نشر الأزهر ألويته في ربوع الثقافة المصرية, وأظلَّها بظله الوارف, وفيئه السابغ, وكان الدوحة التي امتدت فروعها, وآتت أكلها، ولو نظرت إلى مصادر الثقافة في العصر الحاضر لرجعتها في أكثر الأمر إلى الأزهر, ووجدتها في مختلف مراحلها وأطوارها نابعةً من معينه.
فإن الصبيَّ الناشئ يتلقى وهو لدن العود ثقافته الدراجة في المكاتب التي تسمى: "كتاتيب"1 ومن السهل أن نُعِدَّ هذه البيئات المتواضعة موطنًا للدراسة الأولية, هذه المكاتب المنبثة في كل بلد أو قرية, ولا يخلو منها حيٌّ من أحياء المدينة, كانت وحدها الجدول الهادئ الذي يترقرق ماؤه, وينهل منه الناشئون، نعم, إن التعليم فيها لا يتجاوز في كثيرٍ من الأحيان حفظ القرآن, وتعليم القراءة والكتابة, ومبادئ الحساب, والإملاء, والمعلومات الأولية, وتدريبًا على المطالعة، ولكن كثيرًا من هذه المكاتب يلقن الصبيّ من الثقافة ما يتأهل به في المرحلة الأولى التي هي المدارس والمعاهد الدينية, وقد كان المكتب سياج القرآن وحصنه المنيع, والعامل الأول في محو الأمية.