والركود في بعض العصور أحيانًا؛ للحياة العامة التي تمس النهضة وآثارها, وإنه يحلق مرةً, ويهبط أخرى, حسبما يتوالى له من هذه الأجواء, إلّا أنه على كل حالٍ لا يتأثر تأثر غيره بأسباب الضعف والانحلال, بل تعينه غزارة العلم فيه, وتضلع أبنائه في ثقافتهم, وتمكنهم من رسالتهم التي يحتملونها, من مقاومة الأسباب التي تصيب آثار النهضة, فلا يكون نصيبه منها إلّا تافهًا, يمسه مسًّا رقيقًا خفيفًا, فينهض برسالته على كل حالٍ ولو متثاقلًا.

فإذا اضمحلت الحركة الأدبية والفكرية في مصر بالفتح العثمانيّ, في سنة "923هـ-1520م" وركدت ريح العلم, وانخذلت المعاهد والمدارس, رأيت الأزهر يخضع لهذه الاضطرابات, ويطامن قليلًا من قوته؛ لأن هذه العوامل إنما تصيب الحركة الفكرية جميعًا, إلا أنه يظلُّ على رغم هذه المحن قائمًا على الحركة الأدبية والعلمية, ذا مكانةٍ راسخةٍ في الثقافة, محتفظًا بطابعه وقوته, محافظًا على جلاله وهيبته, حتى ليستطيع أن يلفت نظر الفاتحين الأتراك إلى عظمته وقداسته, "كذا"1 فيسعوا للتبرك بالصلاة فيه غير مرة2.

بل يستنجد الحاكمون بعلمائه, فيعينونهم على الاستقرار والسكينة, وتكون كلمتهم حسمًا للثورة والفتن, وقمعًا للاضطرابات والأحداث, وتجد أهله في الوقت الذي تخمد فيه الأنفاس, وتعيا فيه الملَكَات, يعبرون عن شعورهم, ويصورون إحساسهم, ويظهرون ذلك كله شعرًا ونثرًا وخطابةً, وما ذلك إلّا الأدب في مختلف فنونه.

كانت تلك حال الأداب والعلوم في ظلال الحكم العثمانيّ في مصر, فقد أصابها ما غَضَّ من شأنها, وعفى على آثارها, ولم يبق منها إلّا بصيصٌ يشع من الأزهر, ولولاه لانقطعت صلتنا بالعلم وأهله, واللغة وآدابها, ولذهبت البقية الباقية من هذا المجد المؤثل, والتراث الكريم3.

ذلك مما امتاز به الأزهر الذي حرس اللغة والأدب العربيّ, وكان له فضلٌ خاصٌّ على آداب اللغة العربية؛ لأنه احتفظ بها في أثناء الأجيال المظلمة4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015