شيئا منها، فخير له أن يفقد مركزه ليحتفظ بها، وأنا أول رجل يسخو بمركزه في سبيل الثقة بنفسه1.
فقد مكث في السودان رجلا مصلحا يرعى الحدود في تقية، وكرامة، واستحدث به من التشريع ما مست الحاجة إليه حتى كان السودان أسبق حظا في الإصلاح بسبب ما تهيأ له من جهد هذا الرجل الذي بث فيه أفكاره، ونشر في ربوعه هداه، فضلا عما نفح فيه من العلم، وألقى من الموعظة فقد كان يلقي خطبا محكمة يدعو بها إلى الدين والفضيلة، ومما يذكر أنه قرأ للسودانيين صحيح البخاري بأسلوبه العذب، وطريقته الحبيبة.
وحين عاد إلى القاهرة كان قد رؤي قبل عودته بعام أن تخضع الإسكندرية للجامع الأزهر في التدريس والامتحان، وكان الجامع "الأنور الإسكندري" موقوفا للتدريس من قبل "الشيخ إبراهيم الباشا" الجد الأعلى للشيخين "محمود الباشا"، و"أحمد الباشا"، وأبى أبناء الواقف أن يتبعوا مجلس إدارة الأزهر في نظامه وإدارته2.
وقرر مجلس الأزهر تعيين شيخ لعلماء الإسكندرية غير "الشيخ محمود الباشا" إذ ذاك فكر "الشيخ محمد عبده" المصلح الذي يقول على هذا العمل الجليل، ونثر كنانته، فلم يجد أصلح من "الشيخ شاكر" همة نفس، وكفاية عمل وقوة عزم، "فاختبر رغبته فلقي منها تلبية، وواقفت حكومة السودان على نقله إلى عمله الجديد، ورضي الخديو بتعيينه، وصدر الأمر العالي به في 26 من إبريل سنة 1904"2".
صدع الشيخ بالأمر، وتلفت هؤلاء الشيوخ في الإسكندرية، فإذا هم أقل من القليل، ولهذا المعهد فإذا هو صورة ضئيلة متواضعة، إذ ذاك فكر في إيجاد معهد ديني جليل، وبعد أن طاف بمدارس الثغر الوطنية، والأجنبية، ودرس