إصلاحه في الأزهر:
اتجهت نفس الإمام إلى إصلاح الأزهر منذ كان طالبا، ولما كان الأزهر منارة العلم في مصر، وفي العالم الإسلامي أجمع، وكان يعتقد أنه إذا أصلح الأزهر، فقد أصلح حال المسلمين1"، وكان يتمنى أن لو استطاع إصلاح الإدارة والتعليم فيه ووسع في مناهجه حتى تشمل بعض العلوم الحديثة، وتقوى وجوه الشبه بينه وبين غيره من الجامعات الأوروبية2 -ولما عاد من منفاه استأنف جهاده، فسعى لإقناع الشيخ "محمد الأنبابي" شيخ الأزهر إذ ذاك بإدخال العلوم الحديثة في مناهجه، وقد واجه من المعارضة ما يدفع إلى اليأس لولا قوة إيمانه، وفطن إلى يواجهه من الكيد لتأييد الخديو لخطته، وظفر برضا "عباس" عن نهجه بعد أن انقبض "توفيق"، فوفق3 إلى استصدار قانون تمهيدي، فألف مجلس لإدارة الأزهر من كبار شيوخه الذين يمثلون المذاهب الأربعة، ومثل الحكومة فيه الشيخ محمد عبده، وصديقه الشيخ عبد الكريم سلمان دون أن يكون لشيخ الأزهر، أو لمجلس إدارته رأي في انتخابهما4، ومع تأييد الخديو له لقي من عنت الشيوخ ما حمله على بدل الجهد لاسترضائهم، فاستمالهم بزيادة رواتبهم، واستصدر قانون كسى التشريف -وكان مما عني به من وجوه الإصلاح اهتمامه بمساكن الطلاب، فزاد في عددها وجدد أثاثها، وجعلها ملائمة من الناحية الصحية، ثم وجه نظره إلى الشئون الإدارية، وزاد في مواد الدراسة والحساب والجبر، ومبادئ الهندسة، وتاريخ الإسلام والإنشاء، ومتن اللغة وآدابها وتقويم البلدان، وحدد أوقات الإجازات وقصر العطلة الصيفية، ونظم مكتبة الأزهر، واسترد ما غصب منها