مكث معه عشرة أشهر ترددًا خلالها على بلاد الإنجليز لمفاوضتهم في أمر "مصر" و"السودان"، وشرعا يعملان على تنظيم "جمعية العروة الوثقى" السياسية السرية لإثارة الأقطار الإسلامية لتتحد لمجدها ونهوضها، ثم أصدرا صحيفة باسم الجمعية لتنشر دعوتها، ولما أن تعطلت الصحيفة ذهب الأفغاني إلى "روسية"، و"محمد عبده" إلى تونس أواخر سنة 1884، ثم رحل الثاني متنكرًا إلى كثير من الأقطار يبث الدعوة إلى الالتفاف حول العروة الوثقى1.
عودته إلى وطنه:
ولما عاد إلى وطنه شمله عفو الخديو "توفيق"، فعينه قاضيا في المحاكم الأهلية الابتدائية، وحن إلى التدريس ولكن الخديو أبى خوفا من تأثير أفكاره السياسية في التلاميذ2، وقد أظهر من البراعة والعدل، والدقة في القضاء ما كان تاريخًا وحده، ثم عاد إلى التدريس بالأزهر، وألقى دروسا في التوحيد والبلاغة والمنطق، وتفسير القرآن.
علمه في الإفتاء:
ثم أسند إليه الخديو في 3 يونيه سنة 1889 منصب الإفتاء في مصر، فكساه ثوب الرفعه والجلال، وجعل للمنصب شأنا، ونفوذا لم يعرفا له من قبل، وظل متقلدا منصب الإفتاء إلى أن وافته المنية3، وكانت فتاواه مطبوعة بطابع الاستقلال، والرأي الذاتي والتحرر من التقليد.