ومكث الأزهر كذلك معطلًا عن إقامة الجمعة قرابة مائة عام.

فلما كان عصر الملك "الظاهر بيبرس" سعى الأمير، عز الدين أيدمر الحلي, نائب السلطنة, في إعادة صلاة الجمعة في الأزهر, فشرع في استفتاء علماء العصر, فأفتى بعضهم بجوازها, ولكن قاضي القضاة يومئذ "تاج الدين بن بنت الأعز" الشافعيّ, أصرَّ على فتواه رغم تدخل السلطان، فعمل الأمير أيدمر بفتوى المحبذين, وأقيمت صلاة الجمعة بالجامع الأزهر يوم الجمعة 18 ربيع الأول سنة 665هـ, في حفل من الأمراء والكبراء, ولم يحضر السلطان, ولا قاضي القضاة, ولكنه كان يومًا مشهودًا استعاد فيه الأزهر مركزه الدينيّ القديم1.

أما الدراسة في الأزهر في هذه الحقبة, فَحُكْمُ المؤرخين عليها مضطربٌ غامضٌ, ولكنا نميل إلى أن الأزهر ظلَّ على صفته الجامعية طوال هذه المدة, فقد لبث محتفظًا بصفته كمعهد للدرس والقراءة, ومع أنه لم يكن يحظى في ذلك العصر بكثيرٍ من الرعاية الرسمية, لبث محتفظًا بكثير من هيبته العلمية القديمة, فنراه مقصد علماء بارزين, مثل: عبد اللطيف البغدادي, الذي وفد على مصر في سنة 589هـ, أيام الملك عبد العزيز ولد السطلان صلاح الدين, وتولى التدريس بالأزهر بضعة أعوام, حتى وفاة الملك العزيز سنة 595هـ2.

وكان في رغبة صلاح الدين الأيوبي في الإصلاح وحسن سياسته, وبعد نظره, مما يجعلنا نميل إلى أنه لم يبطل الدراسة في الأزهر في هذه المدة, فإنه وإن كان الأزهر خاضعًا في أغلب شئونه وأحواله لعوامل السياسة, والأزهر هو منبر الشيعة, ومقر دراستها, وهي مذهب الفاطميين الذي كان يفرض على المصريين فرضًا, والذي يهم صلاح الدين أن يناهضه بكل قواه أنه, وإن كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015