واقتدار على المباغتة والمفاجأة، وإنك لتسمع إلى خطبائهم البارعين، فيخيل إليك إنك تسمع في البادية عربها الفصحاء، ومقاويلها البلغاء، ويفتنك من هؤلاء مطاوعة اللغة لهم، ومساعفة البيان لتصرفهم، وجرى التعبير على أسلافهم.
يخطبون فيتسابقون ويرتجلون فيتنافسون، والخطيب الخطيب منهم هو الذي تنعقد له الزعامة ويرفع له لواؤها؛ لأنه الحرى بتمثيلهم القمين بشرف نيابتهم ولو واتت المواهب مجتمعة واحدا منهم، ثم كان غير مبدع في البيان ولا متمكن من القول لا يبهر إذا خطب ولا يقهر إذا جادل، ولا يملك زمام الأسماع إذا ارتجل أو أعد، لو واتت المواهب أحدهم ثم مسه من العي شيء لاستعصت عليه الزعامة، وتأبى عليه ما يطمع فيه من تقدم وقيادة.
يقف الخطيب منهم فتجده أغلب ما تجده لا يتلكأ ولا يتلعثم، ولا يعيد قولا أو يكرر جملة أو يمسح عثنونا، رصين الأداء، بليغ الحجة، سليم العبارة، محكم الدليل، يزين خطابه در من كتاب مبين، ويشرق في حديثه أدب نبوي رفيع، ويلمع في جنباته روائع من أدب العرب وشعرهم من طول ما أخذ به من التروي، وما ذخرت به ذاكرته من الآثار.
ولقد أجرم بأنك تستطيع تمييز الأزهري من غيره إذا خطب دون أن يميزه زي، أو إعلان بما تتوافر له من التجويد وطول الاقتدار.
هؤلاء هم اللسن المقاويل، وتلك مكانتهم من الفصاحة، وفي هذه البيئة تخرجت طائفة رفعت لواء الخطابة، والسياسة، والخطابة السياسية الدينية، والاجتماعية، والخطابة الفضائية.
وقد أجدى نظام التخصص في تعليم الأزهر في تبريز فريق من الأزهريين واقتدارهم على الخطابة، وإنك لتجد من أبناء كلية اللغة العربية، والمتخصصين في اللغة وآدابها شبابا تحمد طلاقة ألسنتهم وفصاحة تعبيرهم، وتدفقهم في كل موقف ومناسبة كما يطالعك من المتخصصين في الدعوة والإرشاد أفذاد من