ما يحبون، قلنا إنهم وقفوا موقف الممثلين؛ لأنهم كذلك في حقيقة الواقع, وقد مثلوا آخر فصل من رواية كثيرة الحوادث, عديدة الفصول, طويلة الزمان, بطل وقائعها وفارس معمعانها ذلك الذي كان آخر الخطباء في الحفلة كلامًا, وأشدهم إيلامًا وأكثرهم آلامًا.
وقف ليمثل آخر سلطة له في هذه الديار, ولسان حاله يقول: مافي وقوفك ساعة من بأس.
مثلها في مكان هو أليق ما كان عظة لقائل, أو مظهرًا لسلطان راحلٍ ومجدٍ زائل، وأصدق ما ضرب له الأمثال "لكل مقام مقال".
... وقف خطيبًا وهو يدافع كيد السقام, ويجاذب داعي الخصام, فجال في خاطره أن مفارق قصرًا تجري من تحته الأنهار، وملكًا خضع له فيه الليل والنهار, وتارك خصومًا قد يتوهمون أنهم نازعوه فغبوه, أنه حالمهم فأغضبوه, اللورد وله نفسان، نفس نزَّاعة إلى حب اللقاء, وأخرى تقول: كيف البقاء بعد الاستعفاء، وقد ذكر أصدقاءه القليلين كما يعلم, وأعداؤه الكثيرين كما يتوهم, فرؤساء وترخص, وتشدد وعدد وندد, ووعد وتوعد, وأرغى وأزيد, وحذّر وأنذر, وحكم وقدر.
ربما أخرج الحزين جوى الحز ... ن إلى غير لائق بالسداد
مثلما فاتت الصلاة سلميا ... ن فانحى على رقاب الجياد
نشرت بالمؤيد في 7 من مايو سنة 1907م.