والمنشورات والسجلات، واستمرَّ ذلك عصورًا متوالية1.
ثم غدا المسجد الجامع بعض الزمن مقرًّا للحلقات العلمية والأدبية, وأصبحت هذه الصفة المدرسية من بعض سماته ومظاهره.
وكانت المساجد الجوامع تختص بهذه الصفة العلمية في عصرٍلم تعرف فيه معاهد الدراسة التي حفلت بها الأمصار الإسلامية فيما بعد.
وكانت حلقات المسجد الجامع إلى جانب الحلقات الخاصة, أشهر المجتمعات العلمية والأدبية العامة، وقد لبثت ساحاته ردحًا من الزمان ندوةً فكريةً أدبيةً جامعةً، ومنها كانت تشع أنوار الآداب والفكر في مصر الإسلامية.
بل هناك ما يدل على أن المسجد الجامع كان يقوم بمهمته الجامعية في دراسة الفقه بطريقة منتظمة2، وقد استمرَّ المسجد الجامع قائمًا برسالته العلمية حتى قيل: إن حلقاته العلمية بلغت منتصف القرن الثالث زهاء خمسين3.
ولما أنشئت مدينة العسكر إلى جانب مدينة الفسطاط, وأقيم جامع العسكر إلى جانب المسجد الجامع, كان ثمة في إقامة المدينة الجديدة معنًى لانتصار العباسيين السياسيِّ, وفي إقامة الجامع الجديد معنًى لظفر الدعوة العباسية.
وكانت العسكر وجامعها يمثلان ظفر الدولة الجديدة من الوجهتين السياسية والدينية معًا، ويتجلى ها المعنى في قيام مدينة -القطائع- عاصمة الدولة الطولونية الجديدة, وإن لم يكن ملحوظًا في إقامة مسجدها الجامع "جامع ابن طولون" لأن الدولة الطولونية لم يكن لها لون دينيٌّ خاصُّ4.
غير أنه مما لا شك فيه أن إنشاء القطائع ومسجدها الجامع "جامع ابن طولون" يرجع إلى المغزى السياسيِّ والروحيِّ نفسه, وهو التنويه بسلطان الدولة الجديدة وسيادتها.