قَالَ إِبْرَاهِيم فَذَهَبت وَالله بعقلي حَتَّى كدت أفتضح فَقلت من هَذِه يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ هَذِه الَّتِي يَقُول فِيهَا الشَّاعِر
(لَهَا قلبِي الْغَدَاة وقلبها لي ... فَنحْن كَذَاك فِي جسدين روح)
ثمَّ قَالَ غَنِي يَا إِبْرَاهِيم فغنيت
(تشرب قلبِي حبها وَمَشى بهَا ... تمشي حميا الكأس فِي جسم شَارِب)
(ودب هَواهَا فِي عِظَامِي فشفها ... كَمَا دب فِي الملسوع سم العقارب)
قَالَ فَفطن بتعريضي وَكَانَت غلطة مني فَأمرنِي بالانصراف وَلم يدعني شهرا ثمَّ دس إِلَيّ خَادِمًا وَمَعَهُ رقْعَة فِيهَا مَكْتُوب
(قد تخوفت أَن أَمُوت من الوجد ... وَلم يدر من هويت بحالي)
(يَا كتابي اقْرَأ السَّلَام على من ... لَا أسمى وَقل لَهُ يَا كتابي)
(إِن كفا إِلَيْك قد كتبتني ... فِي شقاء مواصل وَعَذَاب)
فَأَتَانِي الْخَادِم بالرقعة فَقلت لَهُ مَا هَذَا قَالَ رقْعَة من فُلَانَة الْجَارِيَة الَّتِي غنتك بَين يَدي أَمِير الْمُؤمنِينَ فأحسست بالقصة فشمت الْخَادِم وَقمت إِلَيْهِ فضربته ضربا شفيت مِنْهُ نَفسِي وَركبت إِلَى الرشيد من فوري فَأَخْبَرته بالقصة وأعطيته الرقعة فَضَحِك حَتَّى كَاد أَن يستلقي وَقَالَ عَليّ عمد فعلت ذَاك لامتحنك وَأعرف مذهبك وطريقتك ثمَّ دَعَا لي الْخَادِم فَخرج فَلَمَّا رَآنِي قَالَ قطع الله يَديك ورجليك وَيلك قتلتني فَقلت الْقَتْل بعض حفك لما وَردت بِهِ عَليّ وَلَكِنِّي أبقيت عَلَيْك وأخبرت أَمِير الْمُؤمنِينَ ليَأْتِي فِي عُقُوبَتك مَا تستحقه فَأمر لي الرشيد بصلَة سنية وَالله يعلم أَنِّي مَا فعلت مَا فعلته عفافاً بل خوفًا وَقعت على ابْن الْمُهلب حَيَّة فَلم يَدْفَعهَا عَن نَفسه فَقَالَ لَهُ أَبوهُ يَا بني ضيعت الْعقل من حَيْثُ حفظت الشجَاعَة