مَعَ جمَاعَة من مجان أَصْحَاب الحَدِيث وَإِذا بخادم خصي جَالس على دكه فِي الطَّرِيق وَبَين يَدَيْهِ أدوية ومكاحل ومباضع وعَلى رَأسه مظلة خرق كَمَا يكون الطَّبِيب فَقلت لِأَصْحَابِنَا مَا هَذَا فَقَالُوا خَادِم طَبِيب يصف للنَّاس ويعالج وَيَأْخُذ الدَّرَاهِم وَهَذَا من عجائب بَغْدَاد فَقلت أَنا أحب أَن أخاطبه لأنظر كَيفَ فهمه فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم فهمه لَا أَدْرِي وَلَكِن نحب أَن تعبث بِهِ فَتقدم إِلَيْهِ وتغاشى وتماوت وتمارض وَقَالَ يَا أستاذ يَا أستاذ دفعات فضجر الْخَادِم وَقَالَ قولي لَا شفاك الله ايش أَصَابَك أَي طاعون ضربك قَالَ فَقَالَ لَهُ يَا أستاذ أجد ظلمَة فِي أحشاي ومغصاً فِي أَطْرَاف شعري وَمَا آكله الْيَوْم يخرج غَدا مثل الجيفة فَصف لي صفة لما أَنا فِيهِ قَالَ وَكَانَ الْخَادِم قد اعد الْجَواب فَقَالَ أما مَا تجدين من مغص فِي أَطْرَاف شعرك فاحلقي رَأسك ولحيتك حَتَّى يذهب مغصك وَأما ظلمَة فِي أحشاك فعلقي على بَاب حجرك قِنْدِيلًا يضيء مثل الساباط وَأما مَا تأكليه الْيَوْم يخرج غداء مثل الجيفة فكلي خراك واربحي النَّفَقَة قَالَ فعطعط بِنَا الْعَامَّة الْقيام وَضَحِكُوا بِنَا وانقلب الطنز الَّذِي أردنَا بالخادم وصارا طنزا بِنَا فَصَارَ أقْصَى أرادتنا الْهَرَب فهربنا
حَدثنَا الْحُسَيْن بن عُثْمَان وَغَيره أَن عضد الدولة بعث القَاضِي أَبَا بكر الباقلاني فِي رِسَالَة إِلَى ملك الرّوم فَلَمَّا ورد مدينته عرف الْملك خَبره وَبَين لَهُ مَحَله من الْعلم فأفكر الْملك فِي أمره وَعلم أَنه لَا يفكر لَهُ إِذا دخل عَلَيْهِ كَمَا جرى رسم الرّعية أَن يقبل الأَرْض بَين يَدي الْملك فنتجت لَهُ الفكرة أَن يضع سَرِيره الَّذِي يجلس عَلَيْهِ وَرَاء بَاب لطيف لَا يُمكن أحد أَن يدْخل مِنْهُ إِلَّا رَاكِعا ليدْخل القَاضِي مِنْهُ على تِلْكَ الْحَال عوضا من تفكيره بَين يَدَيْهِ فَلَمَّا وصل القَاضِي إِلَى مَكَان فطن بالقصة فأدار ظَهره وحنى رَأسه وَدخل من الْبَاب وَهُوَ