من قال بأن الإنسان هو صانع الدين ومبتدعه، وأن الأجيال الأولى عاشت ردحًا طويلًا من الزمن بلا دين حتى إذا تطورت، وترقت عن البداوة اخترعت الدين، أو من يعللون ظهور الدين في حياة الإنسان في ضعفه وخوفه وقلقه؛ ولذلك فإن الإنسان إذا قدر على قهر نوازع الخوف في نفسه استطاع أن يسقط الدين من حسابه، وينطلق من إساره وتبعاته مع أن الواقع يشهد بأن الإنسان كلما ازداد تعمقًا في دينه زكت نفسه، واطمأن قلبه، وانشرح صدره، وعظمت سكينته.
إنه من المؤكد أنه ما ظلت فترة في الزمن بدون دين ودعوى استغناء الإنسان عن العقيدة دعوى باطلة، وأن دعوى العقل في إمكانه الاستقلال بهداية الإنسان إلى ما يصلحه، ويسعده دعوى باطلة وساقطة، أيضًا ولا وزن لها ولا واقع، وأن دعوى الاكتفاء بالعلم عن الوحي الإلهي من الشرائع الإلهية الصحيحة من التحريف، والزيادة والنقص والتبديل، كالدين الإسلامي دعوى باطلة قطعًا.
إن فكرة التدين في جوهرها ليس لها دليل واحد في أنها تأخرت عن نشأة الإنسان أبعد هذا يجوز أن يقال: بأن البشرية عاشت قرونًا متطاولة في حياة مادية خالصة؟ أو القول: بأن فكرة التأليه إنما اخترعها دهاة ماكرون من الكهنة والقساوسة الذين لقوا من يصدقهم من الحمقى، والسفهاء؟ أو يصح القول بأن الإنسان هو الذي وضع تلك القوانين، واحتكم إليها؟! هذه النظرة الساخرة إلى الأديان والقوانين ليست مبتكرة، إنما هي ترديد لصدى مجونٍ قديم كان يتفكر به أهل السفسطة من اليونان، فقد زعم هؤلاء السوفسطائيون: أن الإنسان كان في أول نشأته يعيش بغير رادع من قانون، ولا وزاعٍ من خلق، وأنه كان لا يخضع إلا إلى القوةِ الباطشة.