وأخيرًا نقول: بأن الإنسان دائمًا في حاجة إلى الإيمان والتدين والعقيدة، وأن الدين ضرورة من ضروريات حياته، وحاجة من حاجات نفسه، فلا غنى له عن الإيمان بربه، وعن عبادته بحالٍ من الأحوال، ومن هنا لم تخل أمة وجِدَتْ على وجه الأرض، ومنذ عهد الإنسان بالحياة من عقيدة ودين؛ ومصداقًا لذلك يقول الحق -تبارك وتعالى-: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (فاطر: 24) كذا قال: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَاد} (الرعد: 7).
ومن هنا نؤكد أنه مع الإنسان الأول كان النبي الأول، فأول إنسان هو أول نبي هو أبونا آدم -عليه السلام- فمن أول نبي؟ ومن أول رسول؟ من اليقين المؤكد أن البشرية بدأت، ومعها التوحيد المطلق والتنزيه الكامل لله رب العالمين، والذي يقرره القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة أن آدم -عليه السلام- أبا البشرية كان نبيًّا موحدًا على أنقى صور التوحيد. وقد اصطفاه ربه فقال: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (آل عمران: 33) واجتباه أيضًا فقال: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (طه: 122).
وأنه عرف حقيقة التوحيد كاملة، وعرف طبيعة العلاقة بين الخالق والمخلوق، وذلك باعترافه بخطئه، وتوبته إلى ربه إذ أكل من الشجرة ناسيًا، فسارع بقوله مع زوجه: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الأعراف: 23) وهذا اعتراف فيه رجوع وإنابة، وتذلل، وخضوع للواحد الديان الذي خلقه من تراب، ثم نفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة.
والذي لا شك فيه أن آدم -عليه السلام- أهبط إلى الأرض مسلمًا لله متبعًا لهداه، وأن الله أخذ عليه العهد هو وزوجته أن يتبعا ما يأتيهما من هدي، وأن يبتعدا عن خطوات الشيطان؛ إذ هو لهما عدو مبين قال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي