العالم، ما الإنسان؟ من أين جاء؟ من صنعهما؟ من يدبرهما؟ ما هدفهما كيف بدءا؟ كيف ينتهيان؟ ما الحياة؟ ما الموت؟ ما القانون الذي يجب أن يقودنا عقولنا في أثناء عبورنا في هذه الدنيا، أي مستقبل ينتظرنا بعد هذه الحياة، هل يوجد شيء بعد هذه الحياة العابرة؟ وما علاقتنا بهذا الخلود؟ هذه الأسئلة لا توجد أمة، ولا شعب، ولا مجتمع إلا وضع لها حلولًا جيدة أو رديئة مقبولة، أو مرذولة ثابتة أو متحولة؛ فالوحي له وظيفة والعقل له وظيفة، فوظيفة الوحي هو البحث فيما وراء المادة.
أما وظيفة العقل فهو البحث في المادة؛ فالعقل والوحي لا يستغنيان عن بعضهما، ولكل منهما مجاله الخاص به يكمل فيه الآخر؛ فهناك مسائلُ الغيب ومسائل التشريع، ومسائل الخير والفضيلة، فلو تُرِكَ الناسُ وعقولهم في هذه المسائل؛ فإنهم يتقاتلون ويتنازعون، فعقول الناس رسل لهم من دخلهم ورسل الله عقول لهم من خارجهم، وهذا يوضح لنا مبلغ التآخي بين العقل والدين، وأنهما يجريان في اتجاهٍ واحد.
هذا، والعقل من أشد أعوان الدين على عقيدة التوحيد، والنقل من أقوى أركانه، وكلاهما ينسجم مع الآخر، ولا يتعارضان؛ لأنهما من مصدر واحد، فإن وقع اختلاف دل على أن الوحي حُرِّفَ، أو أن العقل ضل الصراط المستقيم الذي رسمه الوحي الإلهي، والذي أساء استخدام العقل هو الإنسان نفسه، وتحريف الكتاب المنزل بتخريج نصوصه تخريجًا يبعده عن هدفه تحت التأثر بعوامل شخصية، أو بمذهب معين عمل يحول بين الانسجام بينهما.
فالعقل مثلًا لا يتفق مع الدين إذا قال الدين بالتثليث أو جمع بين طبيعة الإنسان وطبيعة الإله، كما زعمته النصارى في عيسى ابن مريم -عليه السلام- وكل هذا يرد على