وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كل مولود يولد على الفطرة)) وفي رواية: ((على هذه الملة -أي الإسلام- فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء)).
وفي "صحيح مسلم" عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول الله تعالى: ((إني خلقت عبادي حنفاء؛ فجاءتهم الشياطين فَاجْتَالَتْهُم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم)) والمراد من القول: أن ما فُطِرَ عليه الإنسان هو التوحيد، وأن الله تعالى أخذ العهد والميثاق على بني آدم قبل خلقهم، وهم في عالم الذَّرِّ في صلب آدم على الخضوع له، وتوحيده سبحانه، فأقروا له بذلك؛ فيكون الدين قديمًا قبل إيجاد الإنسان في الحياة.
هذا، وإن دعوى استغناء الإنسان عن الدين دعوى باطلة يكذبها الواقع، ويبطلها تاريخ البشرية الطويل؛ إذ واقع البشرية شاهد على أن الإنسان حيثما كان، وفي أيِّ ظروف وجد، وعلى اختلاف أحواله، وتباين ظروفه لا يخلو عمن يدين له أبدًا، وسواء كان الدين حقًّا أو باطلًا صحيحًا أو فاسدًا حتى أولئك الذين يدعون اليوم أن العلم قد أغنى عن العقيدة والتدين، وأن الإنسان في عصر الذرة، وغزو الفضاء لم يصبح في حاجة إلى الإيمان بالله، وبالغوا في الكفر والإنكار، فهل يستطيع الإنسان بعقله مهما بلغ من ذكاء، ورجاحة أن يستغني عن الدين، أو أن الدين يستغني عن العقل، إننا إذا نظرنا سنجد تلازمًا وثيقًا بين العقل والدين؛ إذ لابد للدين من عقل يتحمله؛ لأن مدار التكليف عليه.
وأيضًا لابد للعقل من الدين يرشده، ويوضح له الطريق، ويجيب على ما يدور بخَلَدِهِ من أسئلة؛ لأننا سنجد الإنسان هذا اللغز العظيم الذي يستحِثُّ عقولنا ما