وتفصيل ذلك أنهم أرادوا أن يعبروا عن قوة الإله وقدرته؛ فمثلًا قالوا: إن اليدين ترمزان إلى قوة الإله، فنحتوا الله تعالى عن ذلك بيدين قويتين من حجر، بل سولت لهم أنفسهم أن ينحتوا كثيرًا من الأيدي، وحاولوا أن يعبروا عن حكمته، فجعلوا له رأسين، واتخذوا له وثنًا ذا رأسين.
وإذا تتبعنا سبب كثرة آلهة الهنادك الكثيرة؛ علمنا أن السبب هو أنهم جسموا صفات الله، فإن صفات الله عندهم ثلاث صفات عظيمات هي: الخلق والقيام على المخلوق والأمانة، وقد جعلت فرق الهنادك هذه الصفات آلهة، وجسدتها ومن هنا كان الفصل والتعدد.
وأما الوجه الثالث في ضلالهم وفساد التوحيد وبعدهم عنه: نراهم يغترون بكثرة المظاهر في العالم، وينخدعون بضرب مصنوعات الله، وآثار مقدوراته وحين رأوا أن الله تصدر عنه ضروب من الأعمال حسبوا أنها تصدر من مصادر متعددة، وأن فاعليها كثير، فحملهم فساد رأيهم على أن جعلوا لكل عمل عاملًا مستقلًّا واعتقدوا أن الذي يحيي غير الذي يميت، ومحب العباد غير مبغضهم؛ فاتخذوا إلهًا للعلم، وإلهًا للثروة والرزق وصارت الآلهة بعدد الأفعال، وأن جميع ما في الدنيا ينقسم إلى قسمين الخير والشر، ولكل منهما إله، كما فعل أتباع "زرادشت"، وسموا إله الخير "بزدان" وإله الشر "أهومان" واعتقدوا أن العالم ساحة حرب يعترك فيها هذان القرنان المتصارعان.
هذه على الجملة أهم مظاهر الانحراف، وأهم عوامل الانحراف عن الدين الصحيح.
وأما طرق معالجة هذا الانحراف:
فكما قيل إذا شخصنا المرض استطعنا أن نعرف العلاج، وأن معرفة الداء طريق لمعرفة الدواء؛ فلا علاج لهذا الانحراف إلا أن يعود الناس إلى دين الحق،