هذه الفطرة حقيقة أجمع عليها الباحثون في تاريخ الأمم والأديان والحضارات، فقد وجدوا الإنسان منذ أقدم العصور يتدين ويتعبد ويؤمن بإله، وعلى ذلك فحاجة الإنسان إلى الدين هو احتياج في أصله يدور حول هذه المعاني السامية، ويسير في فلك هذه الغايات النبيلة، كحاجة الإنسان إلى الكرامة والعزة، أو حاجته إلى السعادة والأمل، أو احتياجه إلى الطمأنينة والهدوء، أو حاجته إلى الرشد والهدى.
والإنسان أيُّ إنسان سواء من كان في قمة الحضارة، أو من كان في حضيض التأخر الإنسان البدائي، وإنسان عالم الذرة والكمبيوتر، وإنسان البادية وإنسان المدينة، إنسان الحضر، وإنسان الصحراء الإنسان الغربي والشرقي على كل سواء يبحثون عن هذه المعاني النفسية، وينادون جميعًا لاستكمال هذا البنيان الداخلي، وذلك الكمال النفسي، فكل في حاجة إليه، والكل مفتقر إليه.
إن الدين وحده الذي صاحب البشرية منذ طفولتها، ولم يفارقها في صباها وشبابها وكهولتها، ولم يزل سلطانه مهيمنًا عليها هو الذي يحل لغز الوجود، ويفسر سر الحياة والموت، وغير ذلك إنه الدين نحن أحوج ما نكون إليه، والناس بغير دين يكونون كالأموات، كما قال رب الأرض والسماوات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال: 24) فالحياة مع هذا الدين سيما الحق قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} (الأنعام: 122).
إن الإنسان بغير دين كالأعرج أو الأعوج غذى جسده، ولم يغذِ روحه فلن يجد سعادته، ولن يجد سكينته، وسائر الكفار مع ما أوتوا من نعم الدنيا وزخارفها، لكنهم غفلوا عن الدين، وعن الآخرة؛ فكان الأمر، كما قال الله: {يَعْلَمُونَ