الطيني فيه غذاءه، وريه مما أنبتت الأرض، ولم يعط الجانب الروحي غذاءه من الإيمان ومعرفة الله، فقد بخس الفطرة الإنسانية حقها وجهل قدرها، وحرمها ما بها حياتها وقوامها.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذيبه إلا السرور بمعرفته، وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه، وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا، وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدًا".
إنها الفطرة البشرية الأصيلة التي لا تجد سكينتها إلا في الاهتداء إلى الله والإيمان به، والالتجاء إليه إنها الفطرة التي لم يملك مشركو العرب في جاهليتهم أن ينكروها مكابرةً وعنادًا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (العنكبوت: 61) وقد يتراكم على هذه الفطرة صدأ الشبهات، أو غبار الشهوات، وقد تنحرف، وتتدنس باتباع الظن واتباع الهوى، أو التقليد الجاهل للأجداد والآباء، أو الطاعة العمياء للسادة والكبراء، وقد يصاب الإنسان بداء الغرور والعجب؛ فيظن نفسه شيئًا يقوم وحده، ويستغني عن الله؛ بيد أن هذه الفطرة تذبل ولا تموت، وتكمن ولا تزول؛ فإذا أصاب الإنسان من شدائد الحياة وكوارثها ما لا قبل له به، ولا يد له، ولا للناس في دفعه، ولا رفعه؛ فسرعان ما تزول القشرة السطحية المضللة، وتبرز الفطرة العميقة الكامنة، وينطلق الصوت المخنوق المحبوس داعيًا ربه منيبًا إليه كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} (الإسراء: 67).