ومن العقل انبثقت النفس، ولها نيلان تعلو إلى الواحد، وتهبط إلى الطبيعة، إن النفس الكلية أقل مرتبةً من العقل، ومن النفس انبثقت نفس ثانية هي الطبيعة، وهي نفس جزئية وسعادتها في اقترابها إلى أصلها أي: النفس الكلية، وشقاؤها في الهبوط إلى الدرجة التي تليها، وهي المادة.
إذن، فهناك الواحد والعقل، والنفس الكلية، والنفس الجزئية، وبعد ذلك نسأل: هل هذا توضيح أم إخفاء؟ إنه إخفاء بلا شك، ولا لوم على الفلاسفة في هذا، فهم بشر تحركوا على قدر طاقاتهم، ويلاحظ أن الأفلاطونية الحديثة وجدت في أوائل القرن الثالث الميلادي، لدرجة أن من العلماء من يرى أن الغموض الذي دخل في المسيحية في تفسيرها للتوحيد حيث تقول: إن الأب والابن والروح القدس أقانيم ثلاثة، تعني واحدًا هو الله، وتقول: إن الابن انبثق من الأب، والروح القدس انبثق من الأب أو منه ومن الابن، وإذا علم أن الأقنوم يعني ذاتًا مستقلة بصفات إلهية مستقلة؛ لظهر أمامنا الغموض الذي دخل في المسيحية من خلال فلسفة الإغريق، وفكر أفلوطين.
إن الذي يقارن بين الأقانيم الثلاثة، وبين الواحد والعقل والنفس في الأفلوطونية -يرى وحدة الفكر والتصور بلا فرق، إلا في أن المسيحية ترى أن الأقانيم متساوية في الجوهر والرتبة، بينما الأفلاطونية لا تساوي بين الواحد والعقل والنفس؛ ترى أنها منبثقة عن بعضها كما ذكرنا، وإنها تمثل ثلاث درجات روحية متفاوتة، لا يمكن القول بأن العقل البشري، وهو صانع أديان اليونان كان يتحرك للأمام ويتطور إلى العلا؛ لأن الآلهة يومًا كانت في زيوس وأسرته، كانت تزداد عددًا وتقل قدرًا، ولم يحط بها رقي أو سمو إلا في جانب التصوير الأدبي.