ولما انتقلت قيادة الفكر إلى فلاسفة الإغريق لم يحققوا تطورًا؛ لأنهم أخذوا يبحثون في الأصل الواحد للكائنات، وأخذ كل منهم يهدم ما قال به غيره؛ فطاليس قال بالماء، وقال إنكسمينث بالهواء، والفيثاغوريون قالوا بالعدد، واستمر الأمر على هذا حتى جاء أفلاطون وأرسطو فزادوا الأمر تعقيدًا وغموضًا، بل إن أفلوطين قال بالتعدد والكثرة في الآلهة، وهذا يدل على عجز العقل البشري في مجال الدين، وعدم تمكنه أن يتطور به، وفي نفس الوقت يكون حقًّا.

إن تخبط رجال اليونان في البحث الديني في الوقت الذي وصلوا فيه إلى القمة في علوم الفلسفة والمنطق والشعر والفن -لدليلٌ على عجز العقل في المجال الديني، واحتمال بعث رسولٍ إلى اليونانيين غير وارد؛ لأن ما وصلنا عن أديان اليونان لا يُوجد هذا الاحتمال؛ ففكرة التوحيد الخالص أو الشذرات الباقية منها لا وجود لها، هذا في الوقت الذي نسلم تسليمًا عقليًّا بأن إرسال رسل إليهم في الزمن القديم ليس مستحيلًا أبدًا.

هذا ومن خلال الحديث عن دين اليونان يستبين لنا الآتي:

تعدّ بلاد اليونان مهدًا من مهود الحضارات القديمة الخصيبة بأنواع العلوم والفنون والآداب، وجميع فروع المعارف الأخرى، التي بلغت فيها مكانة راقية تسامق الذرا، حتى لقد ظل مؤرخو الغرب يعتقدون طويلًا أن مهد المدنية الغربية كان اليونان، إلى أن تبين لهم سبق بلاد النيل ودجلة، إلا أن هذه البلاد لم تحظ برقي مماثل في العقيدة؛ لاعتمادهم في هذا الشأن على العقل الإنساني وحده، والفكر المستقل عن الوحي، وإنسان هذا شأنه لا يمكن أن يصل إلا إلى المستوى البشري العاجز الذي يحاول أن يرضي فطرته المتطلعة إلى الإيمان بمدبر لهذا الكون، بأمور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015