المرئي، قد سمى أفلاطون هذا الموجود الحقيقي بالخير الأسمى أو مثال الخير، وإذا تتبعنا أقواله عن هذا الوجود الحقيقي نجده يشير إلى الله، ويعبر عنه أحيانًا بصيغة المفرد، وأحيانًا أخرى بصيغة الجمع، ويقول: إن هناك خالقًا أعلى يدبر العالم ويحكمه، وبعد أفلاطون صار الفلاسفة على نمطه في تجريد التفكير فيما وراء الطبيعة أو الحقيقة الإلهية، وما يحيط بها من غيب؛ حيث نجد أرسطو يقول: إن الله هو الموجود حقًّا؛ لأن له أتم صورة، كلما قارب الشيء من كمال الصورة كان أقرب إلى الحقيقة، وهي العلة الصورية والغائية والمحركة لهذا العالم، وإذا كان الله هو العلة الصورية كان الله مثلًا أو فكرة أو عقلًا، وإذا كان هو العلة الغائية كان هو غاية الغايات، وهو الذي يسعى إليه ويقصد نحوه كل موجود، وإذا كان هو العلة المحركة كان هو المحرك الأول، وهو مصدر كل حركة، وإن كان هو ليس متحركًا.

وحديث أرسطو، وإن كان ذا تركيب عقلي، فإنه غامض مبهم يوقع القارئ في البحث من جديد عن الإله الذي دعا إليه أرسطو، ويسأل: هل الله مشخص موجود أم لا وجود له في الحقيقة؟ وتساهم آراء أرسطو في تأييد هذا وذاك، الأمر الذي يؤكد غموض الفكرة وخفاءها، يستمر الفلاسفة في مسيرتهم حتى تظهر الأفلاطونية الحديثة في مدرسة الإسكندرية، وتحاول تفسير غموض الفكر اليوناني الفلسفي، فتقول بالواحد غير المتعدد فوق المادة وفوق الروح، قائم بنفسه، ولا يمكن وصفه إلا بصفات سلبية، وهو ليس مادة، وليس حركة، وليس صفة، ولا نهاية له وهكذا، ومن هذا الواحد انبثق العقل ليفكر في الله وفي نفسه، وقد خلع أفلوطين على هذا العقل خصائص المثال الموجود الحقيقي عند أفلاطون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015