لكن هل الآلهة من أسرة زيوس هي كل الآلهة - وبخاصة في المرحلة الأولى؟
لم تكن الآلهة البشرية هي كل الآلهة عند اليونان؛ لأننا نجدهم يؤمنون بآلهة خفية غامضة تميل لنشر الذعر والخوف بين الناس، وكان يرونها فوق الطبيعة وأقوى منها؛ ولذلك لم يتمكنوا من تحديد حقيقتها، لقد درج اليونانيون على تصوير آلهتهم المعروفة والخفية بأنها تُنزل قضاءها الرهيب بالخلائق، وأحاطوا هذا المعنى بالأساطير العديدة المدونة في أشعار مطولة، وكانت هذه الأساطير هي أساس روايات التراجيديا اليونانية، ذلك الفن الأدبي الذي نبع في بلاد اليونان وامتد بروعته وتأثيره إلى العالم كله.
قد استمر اليونانيون على ما هم عليه بالنسبة للآلهة حتى جاء القرن الخامس قبل الميلاد، وفيه يحدث تنظيمٌ جديد في نظرة اليونان لآلهتهم؛ حيث يُرفع إله واحد فوق جميع الآلهة، ذاك الإله هو زيوس ممثل العدالة، وكل الآلهة تخضع لقوة هذا الإله وسلطانه، كل ما يقع للناس هو بأمر زيوس، وأيضًا فإن زيوس يؤثر خيرًا وشرًّا بكل عدل ونزاهة وأمانة، وقد سلك الشعراء هذا المنحى في أشعارهم خلال القرن الخامس قبل الميلاد وبعده، ومن خلال بحث فلاسفة اليونان عن أصل العالم اتفقوا على أن أصل العالم واحد، قالوا: إنه النار أو الماء أو التراب أو العدد أو الموجود نفسه، ومهما تباينت آراء الفلاسفة في أصل العالم، فإنهم اتفقوا على أن هذا الأصل فيه قوة وإبداع لا يحاكي الإنسان الفاني لا في شكله، ولا في عقله، وما التماثيل التي صنعها الفنانون إلا صناعة بشرية صاغها الناس خضوعًا لأمزجتهم وميولهم الخاصة!
وجاء أفلاطون ووضع نظريته في المثل حيث يرى أن الموجودات كلها خيالات وصور ممثلة لحقيقة موجودة في الملأ الأعلى، وهي الوجود المؤثر في الكون