وهذا يؤكد أن الأنشودة التي يقولها أخناتون أُخذت من المزامير، مما يرجح أن دعوة أخناتون للتوحيد هي دعوة المزامير التي رتلها داود عليه السلام. وأمام الوحدة في المعنى والترتيب لا يمكن القول بأن هذا مجرد مصادفة، أو أنه خواطر تواردت لطول الفقرات وكثرة المعاني؛ لأن المصادفة لا تتكرر والخواطر لا تلتقي في مسيرة فكرية طويلة، والأمر لا يزيد عن أن أحدهما مأخوذ من الآخر.

مما دفع بعض العلماء إلى القول بأن توحيد أخناتون منقول من دعوة داود عليه السلام. وبتصوير هذا الرأي نكون قد بينا المذاهب الثلاثة في تفسير نشأة الدين عند المصريين، وتطوره بينهم.

ويلاحظ أن الاتجاهين الثاني والثالث متقاربان؛ لاعتمادهما على القول بضرورة أن يكون التوحيد دعوة إلهية، نزل الوحي بها، وليس بينهما من خلاف سوى أن الاتجاه الثالث يذهب إلى تحديد الرسل ورسالاتهم، بينما اكتفى الاتجاه الثاني بوضع القضية في إطار مبدأ عام، تاركًا التفاصيل لمكتشفات المستقبل وتقدم وسائل البحث العلمي.

أما الاتجاه الأول فهو مع الأخيرين على طرفي نقيض، وبالنظر في كل ما ذكرته عن دين المصريين القدماء، نتبين دقة المعلومات التي فهمت من الكتابات المكتشفة؛ لأن عدم معرفة اللغة الهيلوغريفية صرف الناس عن العبث بما كتب، فلم يتصوروها سوى نقوش خالية من أي معنى، وأيضًا فإن نقشها في باطن الصخور وفي الجدران الداخلية للمقابر، ساعد على حفظها وعلى عدم تأثرها بالطبيعة، وهذا يدفع إلى التصديق بما تدل عليه.

إلا أن الباحث في الأديان ينبغي أن يكون حذرًا، إذا أراد الوصول إلى تصور كلي وتام لعقيدة قدماء المصريين، والسبب في هذا أن بعض الآثار لم يكتشف بعد،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015