أخناتون بعشرين قرنًا على الأقل، ويلاحظ أن توحيد المصريين يتضمن الإيمان بأن الإله خالق كل شيء، وفق قدرة عاقلة حكيمة، كما يتضمن الإيمان بضرورة وجود مناسك وطقوس يؤديها الإنسان لله، وقد أورد الدكتور أحمد الحيني عددًا من المواعظ في أزمنة قديمة مختلفة ومتباعدة، للدلالة على ذلك.
إن هذا التوحيد رغم صفائه ووضوحه، وبعده عن الشرك والإلحاد، ورغم ثبوته بأدلة قوية رغم ذلك توجد آلهة عديدة تدور حولها الأساطير الكثيرة، أنزلها المصريون منزلة عظيمة ومقدسة، ومن هذه الآلهة رع إله الشمس واهب الدفء، ومصدر النور، وآمون الإله المستتر. أوزوريس إله الحب والتعاون والسلام، وتُحوت إله العلم والحكمة. وإيزيس إله الحياة.
ووجود هذه الآلهة وغيرها يدفعنا إلى سؤال بدهي وهام، يدور حول اجتماع التوحيد والشرك معًا في مصر القديمة. إن النصوص المصرية الثابتة لم تحل هذا التناقض، ومع ذلك فحله ليس بالأمر الشاق أو المستحيل؛ لأن من الممكن أن التوحيد كان للخاصة والشرك كان لغيرهم، أو أن الشرك مرحلة تالية للتوحيد أو العكس، أو أن الأسماء المختلفة تدور حول إله واحد، يسمى بما يوصف به، أو أن اختلاف الأقاليم أدى إلى تعدد اللغات مما جعل الاسم يختلف، وإن كانت حقيقة المسمى واحدة، أو أن حال المصريين كان كحال العرب في جاهليتهم، حيث كانوا يوحدون في الربوبية ويشركون في الألوهية، تلك كلها احتمالات ظنية ممكنة في تفسير هذه الظواهر.
لكن الإنصاف يجعلنا نكتفي بمجرد الوصف، تاركين الترجيح بين هذه الاحتمالات الآن؛ لأننا لا نستطيع أن نعرف ماذا يدور بِخَلَد المصري القديم، وفيما يفكر عندما كان يسمع كلمة معبود، وعلى أي نحو كان يتمثل في خياله،