ألست ترى ذلك من قتله ولده أنه أراد أن يشفي نفسه على ذلك العبد، فأصبح ذلك زائدًا في كربه وداعيًا إلى دوام حزنه.
وهل يحدث هذا نفسه من عاقل أو ممن لا عقل له؟ إن الذي دعاكم إلى القول بصلب عيسى ما أقررتم به من الفداء، حين قلتم: إن آدم وجميع ولده إلى زمان عيسى كانوا كلهم ثاوين في الجحيم بخطيئة أبيهم آدم، حتى فداهم عيسى بإهراق دمه عنهم على خشبة الصليب، ثم نزل في ذلك الوقت إلى الجحيم، وأخرج منها جميعهم إلا يهوذا الإسخريوطي، أخبرونا كيف نفهم أن الله تعالى أدخل موسى بن عمران الجحيم، وخلده فيها بعد أن كلمه واصطفاه وفضله وبعثه إلى عباده نبيًّا وهاديًّا، ولم يكفر بعد ذلك.
وكذلك إبراهيم الذي كان قد اتخذه الله خليلًا، واصطفاه وفضله بهدايته ونبوته، وأظهر على يديه توحيده، ولا جرم أنه لو كان ذنب آدم بقي في أعناق أولاده حتى أنقذوا منه بدم الله، لنطقت به التوراة ولصرحت به الأنبياء؛ لأنه أمر شنيع ومصاب للعالم بشيع، ففي أي موضع من التوراة ذكر، أو في أي صحيفة من صحف الأنبياء سطر، أما إنكم أتيتم على ذلك بشواهد من التوراة وكتب الأنبياء، فتأويلكم فيها لا يخفى على العواجز ضعفه، ولا يستتر على عقول صغار الولدان سخفه.
ومن كان الممسك للسموات والأرض، إذ كان الله كما تزعمون مربوطًا في خشبة الصليب، هل بقيا ساكنتين، أم كان استخلف عليهما غيره، وهبط هو لربط نفسه في خشبة الصليب، وليوجب اللعنة على نفسه بما قال في التوراة: ملعون ملعون من تعلق بالصليب، عجبًا له إنه المنتقم والمنتقم منه، والحقود والمحقود عليه، وإنه الظالم يأخذ نفسًا بذنب غيرها، وهو المظلوم لأنه صلب بذنب غيره.