لقد قالوا: إنه لما لم يمكن أن ينتقم الله من عبده العاصي آدم، الذي كلمه واستهان بقدره لاعتلاء جلالة السيد، وسقوط منزلة العبد، أراد أن ينتصف من الإنسان الذي هو إله مثله، فانتصف من خطيئة آدم بصلب عيسى المسيح -عليه السلام- ونحن نسأل أولًا عن هذه المماثلة كيف وجبت لعيسى بالله تعالى؟
وقد ثبت يقينًا بطلان ألوهية عيسى أو بنوته لله، وأن ذلك هو الكفر البواح الصراح، ثم إذا كان الله لم يرد الانتقام من آدم لاعتلاء قدر السيد وسقوط منزلة العبد، فالأولى أن يعفو عن الذنب ويتوب على المذنب، وإن الأبعد عنه عز وجل أن يعاقب أحدًا بذنب غيره؛ لأن هذا غاية الظلم ونهاية الجور.
لقد أبوا التوبة على آدم -عليه السلام- مع ثبوتها يقينًا احتيالًا للصلوبية وإثباتها، ونسبوا إلى الله تعالى ما ينسب إلى شرار الآدميين من الحقد والغائلة، ونفوا عنه ما يليق به عز وجل من العفو والصفح، كيف هذا وقالوا إنه: انتصف من الإنسان الذي هو إله مثله، وفي الإنجيل الذي بأيديهم أن الصلب لحق جسم عيسى المتخذ من آدم، وأن النصف اللاهوتي لم يلحقه الصلب، ومخالفة ذلك عندهم كفر.
فإذا كان هذا فإلى الآن لم ينتقم الله ولا انتصف من إله مثله، إنما انتصف وانتقم من إنسان من نسل آدم، فكيف ينبغي لله أن يظلم إنسانًا فيعاقبه بذنب جده، أخبرونا عن رجل أخطأ عبده في حقه فبقي بعده مدة غاضبًا عليه ساكتًا على معاقبته، حتى ولد لنفسه ولدًا، فعمد إلى قتله بذنب العبد الذي كان أذنب له،