مما تقدم يتضح بجلاء أن المسمى بكلمة الله، والمسمى بروح الله في نصوص التوراة هما المسيح والروح القدس، المذكوران في الإنجيل، فما لمحت إليه التوراة صرح به الإنجيل كل التصريح، وأن وحدة الجوهر لا يناقضها تعدد الأقانيم.
وكل من أنار الله ذهنه وفتح قلبه في فهم الكتاب المقدس، لا يقدر أن يفسر الكلمة بمجرد أمر من الله أو قول مفرد، ولا يفسر الروح القوة التأثيرية، بل لا بد له أن يعلم أن في اللاهوت ثلاثة أقانيم، متساوية في الكمالات الإلهية، وممتازة في الاسم والعمل، والكلمة والروح القدس اثنان منهم، ويدعى الأقنوم الأول الأب. ويظهر من هذه التسمية أنه مصدر كل الأشياء ومرجعها، وأن نسبته للكلمة ليست صورية، بل شخصية حقيقية، ويمثل الأفهام محبته الفائقة وحكمته الرائعة.
ويدعى الأقنوم الثاني الكلمة، بأن يعلن مشيئته بعبارة وافية، وأنه وسيط المخابرة بين الله والناس، ويدعى أيضًا الابن؛ لأنه يمثل العقل نسبة المحبة والوحدة بينه وبين أبيه، وطاعته الكاملة لمشيئته، والتمييز بين نسبته هو إلى أبيه، ونسبة كل الأشياء إليه.
ويدعى الثالث الروح القدس، الدلالة على النسبة بينه وبين الأب والابن، وعلى عمله في تنوير أرواح البشر وحثهم على طاعته، وبناء على ما تقدم يظهر جليًّا أن عبارة الابن لا يشير -كما فهم بعضهم خطأ- إلى ولادة بشرية، ولكنها تصف سرية فائقة بين أقنوم وآخر في اللاهوت الواحد.
وإذا أراد الله أن يفهمنا تلك النسبة، لم تكن عبارة أنسب من الابن للدلالة على المحبة والوحدة في الذات، والأمانة للمشورة الإلهية، وأما من حيث الولادة البشرية فالله منزه عنها. لأجل هذه الإيضاحات علم خدام الدين المسيحي