ولقد كثرت الأناجيل كثرة عظيمة، وأجمع على ذلك مؤرخو النصرانية، ثم أرادت الكنيسة في آخر القرن الثاني الميلادي أو أوائل القرن الرابع أن تحافظ على الأناجيل الصادقة -في اعتقادها- فاختارت هذه الأناجيل الأربعة من الأناجيل الرائجة إبان ذلك.
ولقد كنا نود ونحن ندرس المسيحية وأدوارها في التاريخ أن نعرف هذه الأناجيل التي أهملت، وما كانت تشتمل عليه مما كان سببًا في رفضها وحمل الناس على تركها، وخصوصًا أنها كانت رائجة ويأخذ بها طوائف من المسيحيين ويتدينون هذه الديانة على مقتضاها؛ فإن الاطلاع عليها يمكننا من معرفة اعتقاد الناس في المسيح وكيف كان؛ خصوصًا بين أولئك الذين قاربوا عصره وأدركوا زمانه، ولقوا تلاميذه ونهلوا من مناهلهم؛ وإذ ضن التاريخ بحفظ نسخ منها فقد كنا نود أن تطلعنا الكنيسة على ما اشتملت عليه مما يخالفها، وما كان من سبب رفضها، وترينا حجة الرفض لتكون دليلًا منيرًا لها على أنها بهذا أقامت دين المسيح ولم تغيره؛ ولكن ضن التاريخ علينا فطوى تلك الأناجيل، اللهم إلا ما وقع في أيدينا من إنجيل برنابا أو ما نسمع عنه أن هناك بعض النسخ من الأناجيل الأصلية أو القديمة وضعت في المتاحف؛ كما ضنت علينا الكنيسة فطوت تلك البينات؛ فلم يبقَ لنا إلا أن نكتفي من الدراسة بما بين أيدينا؛ ولعل فيه عناء إن أمعنا النظر وأمعنا في الاستنباط، وجعلنا لقضية العقل سلطانًا ومن بديهياته برهانًا.
ومما تبقى من هذه الأناجيل كان إنجيل برنابا الذي أنكرته الكنيسة؛ لأنه صرح بتوحيد الله تعالى وبالبشارة بالنبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وقال ببشرية عيسى -عليه السلام- وأنكر صلبه، وذكر أنه ألقي الشبه على يهوذا الإسخريوطي؛ كما ذكر أن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق؛ فكانت هذه الأمور مخالفة لما عليه النصارى في