ولقد حاول بني إسرائيل ألا تكون طباعهم السيئة مقصورة عليهم بل شاءت لهم أهواؤهم، وسولت لهم أنفسهم وشياطينهم أن يطرحوا الآخرين معهم في حمأة الأخلاق الفاسدة، والمنكرات والرذائل، وذلك هو السبب الذي جعلنا نصمم بأنهم جناة على الأخلاق؛ إذ كل رذيلة من رذائلهم المنطوية عليها صدورهم والجاري تعاملهم بها قد استطاعوا بمهارتهم وكيدهم أن يجروا الناس إليها، ويطبعوهم عليها زرافات، ووحدانا حتى صار المجتمع العالمي كله اليوم إلا قليلًا ممن عصم الله مجتمعًا يهودي الصفات والأحوال، وإن لم يكن مجتمعًا يهودي الجنس والنسب.
فاليهود بناء على تلك التعاليم لا يؤمنون إلا بالمادة، ولا قيمة للمعنويات عندهم، ولا وزن للأخلاق، ولا نصيب للروح، ولا مكان للمبادئ، ولا محل للصدق والوفاء، ولا وجود للأمانة، والحياء، فهذه أمور لا يعرفها اليهود، وسائر الصفات التي هي فوق كل الغرائز.
وهذا الإيمان بالماديات وحدها يقضي على مقومات الأخلاق الإنسانية والاجتماعية، بل على حقيقة الإيمان الديني؛ لأن جزءًا كبيرًا من الدين قائم على ما وراء المادة والغيبيات، ومنه الإيمان باليوم الآخر؛ ولذا نرى اليهود لغلبة المادة وسيطرتها عليهم لا يؤمنون باليوم الآخر، وما فيه وليس أدل على ذلك من أن كتبة التوراة أخلوها من ذكر هذا اليوم، فلم تذكر التوراة شيئًا عن الآخرة ولا عن الملائكة، ولم تذكر جنةً ولا نارًا، وكذا التلمود، وكل ما تَعِدُ به المحسنين مادي دنيوي فحسب.