سأل أريجنا مرة أخرى: ما الأفضل للإنسان، التجرد من الدنيا ومراقبة النفس، أو تطهير النفس مع التعلق بأمور الدنيا؟، أجاب كريشنا: "إن الذين يفرقون بين الطريقتين أطفال لا يعقلون، أما العالم العاقل فلا يفرق بينهما، والإنسان يصل إلى الكمال بأي طريق سلكه، إن قام بشروطه حق القيام، والذي يرى الطريقين سبيلا إلى المقصود فهو المصيب، والناسك الحق هو الذي لا يبغض أحدًا، ولا يشتهي شيئًا، ولا يرى غير الله شيئًا، إنه يجري وراء واجبه دائما، قد طهر قلبه وتغلب على حواسه، فالنفس في قبضة يده، لا تنازعه ولا تحيد به عن الصواب، وهو يرى جميع الأرواح كروحه ولا يفرق بينها، ولا يقصد بعمله إلا وجهه تعالى وحده.
والذي يقوم بواجبه كما قلت، يبزغ نور العرفان في داخله كما تبزغ الشمس في السماء، فيرى ربه بعين قلبه، ويسعد بالنجاة بعد أن تذهب ذنوبه، وتحل محلها الحسنات، واللذائذ الحسية عاقبتها الحزن والألم، فلا يجري العاقل وراءها، والذي ملك حواسه ونفسه في هذه الحياة، فهو الناسك حقّا، وهو الذي فاز بنعمة راحة البال، إنه يجد الطمأنينة والراحة والنور في روحه، ويصل إلى النجاة بفنائه في الخالق، ولا يسعد بهذا إلا من نسي نفسه وقهر هواه، ولا يزال في عمل مستمر لمصلحة الناس عامة.
وليس الناسك من يتشبث بظواهر النسك وحدها، فلا يمس النار ويفعل هذا ولا يفعل ذلك كالمتنطعين، إنما النسك كيفية قلبية لا هيئة خارجية، فالذي لا يبالي بالعواقب في أداء واجبه، فهو الناسك الصادق، والذي يتخلى عن واجباته في الدنيا، فهو ليس من النسك في شيء، ليس للإنسان صديق إلا نفسه، وليس له عدو إلا نفسه، ومن تغلب على نفسه فهو صديق نفسه، ومن قهرته نفسه فهو عدو نفسه، فمن غلب نفسه فأصبح لا يبالي، بالحر والبرد، بالراحة والألم، بالسراء والضراء، فهو صاحب الروح