العقل وجمعه، إن الحواس تتبع ميولها، فعلى المرء أن يجذب إلى قبضته حواسه من مشتهياتها، كما تجذب السلحفاة أطرافها إلى بعضها، أجل إن النفس لطاغية جامحة، إلا أنه يجب السعي لضبطها وتحويلها إلى الله، فالذي لا علاقة له بشيء ولا يخاف شيئًا ولا يطمع في شيء، وحواسه تحت أمره، فهو مطمئن حقا، وإن كان يقوم بأعمال الحياة الدنيا كغيره من الناس. أما العمل الحقيقي هو التحرر من سلطة النفس، فمن تحرر منها، فقد فاز بالطمأنينة الحقيقية واهتدى إلى الله وفاز بالنجاة".

سأل أريجنا إن كانت النجاة لا سبيل إليها، إلا بالتغلب على الحواس وقهر النفس، فلماذا نهتم بأمور الناس؟، فأجاب كريشنا: "إن الذي يتجرد من الدنيا بترك واجبه، لا يصل إلى الكمال أبدًا، والأعمال التي تأثر الإنسان، هي التي يقوم بها لإرضاء نفسه، لا لأجل المصلحة العامة، فعلى المرء أن يجعل سائر أعماله، خالية منزهة من أهواء النفس، وما عاشت هذه الدنيا، إلا بمثل هذه الأعمال النبيلة المنزهة، والذي يطبخ الطعام ليأكله وحده لأثم، وإذا أكل فلا يأكل إلا إثمه، والذي لا يهتم بمصلحة غيره فهو سارق، والذي يحيا لإرضاء حواسه، فحياته كلها إثم، ليس لأحد أن يسخر غيره لإشباع ميوله، وإنما الطريق إلى الله، أن تكون الأعمال خالصة له ولنفع خلقه.

فاعلم أن أشد أعداء الإنسان اثنتان الشهوة والغضب، فهما اللذان يدفعانه إلى الذنوب، وكما يغطي الدخان النار ويكدر الغبار صفاء المرآة، كذلك الشهوة والغضب يغطيان عقل الإنسان، فعلى الإنسان أن يقتل هذين العدوين، لا شيء يطهر الإنسان أكثر من هذا العرفان، والعَارِفُ يُدرِكُ بالتدريج أن الله معه وفيه، وأكبر ما يحتاج إليه الإنسان في سلوكه إلى الكمال، هو الإيمان وقهر النفس".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015