المزامير والتراتيب المانوية موضوعًا لها الحالة المخيفة التي وجد الإنسان الأول نفسه فيها، فقد وقع في هوة عميقة كانت أعمق بكثير من هوة المادة؛ إذ سلب من درعه النورانية وصعقته الضربة، وأحاطت به الحيوانات المفترسة، والشياطين المخيفة، وقيدته، وباتت مستعدة لأن تلتهمه، وصحى الإنسان الأول من غيبوبته، وأطلق دعاءً تكرر سبع مرات، وعندها استدعى إله العظمة مخلوقًا ثانيًا إلى حيز الوجود إنه صديق النور الذي استدعى البناء العظيم الذي استدعى الروح الحية.

وتقدمت الروح الحية نحو حدود الظلام مع أبنائها الخمسة الذين استدعتهم، وأطلقت من ذلك المكان صيحة مدوية إلى الإنسان الأول المحتجز تحت الأرض، والذي أجاب بدوره بهتاف مدوٍّ، واعتبرت هذه الدعوة وهذه الاستجابة على أنهما شخصيات سماويتان مقدستان، وتعرف دعوة واستجابة، أو بشكل أدق ما تم استدعاؤه، وما تم إجابته باللغة الإيرانية الوسيطة، وفي اللغة السريانية قريا وأنيا، وهما ستتحدان وتصعدان إلى أم الحياة، وإلى الروح الحية.

كان الحوار الذي تطور بين الدعوة والاستجابة ذا أهمية كبيرة، لأنه أرسى أساس الحالة التي تتكرر مرارًا، وفي كل مرة تجد روحًا على الأرض ذاتها في ضيق، فتطلق صيحة تنشد فيها الخلاص، تتلقى هتاف الحرية. ولقد حفظ الكاتب السرياني فيدور بار كونيه للأجيال أقوال ماني حول هذا، وما زال بالإمكان فهم نبرات صوته في المقطوعة الشعرية الصغير حيث يقول: "ثم صرخت صوت الحية بصوت عال، وكان صوت الروح الحية كالسيف الحاد، وقد كشف عن شكل الإنسان الأول، وقال مخاطبًا إياه، السلام عليك أيها الممتاز بين الأشرار، يا أيها اللامع وسط الظلام، رب قائم وسط وحوش

طور بواسطة نورين ميديا © 2015