الرهباني فضلَّ وأضل، وأصبح أصحابه من أصحاب الغنى المطغي عن طريق الأملاك الإقطاعية والأوقاف والعشور، عشر ما تُغله الأرض الزراعية، والإقطاعيات، وما يمتلكه الإنسان من مال والضرائب، والهبات، والعطايا، والعمل المجني، والسُّخْرة، كلها باسم الدين.
وهكذا بدأ الفقر في الرهبنة بشيء صغير ثم اتسعت دائرته، وتطاير شرره، فتحول من دواء لطغيان المال إلى داء لاقتناء المال، وكنزه، بل واستخدامه ضد مراد رب العالمين، لمحاربة عباده الصالحين الكادحين الموحدين، فهل يحب المسيح عيسى بن مريم ذلك، يقول صاحب كتاب (مهجة الفؤاد في تفسير أناجيل الآحاد): "وبما أن كثيرين قديمًا كانوا يعذبون أجسادهم بعذابات أليمة وشديدة على طرق متعددة، لا حبًّا بالمسيح، بل اتباعًا لتصوراتهم الضالة، ورغبة في اكتساب المجد العالمي، كما يفعل الآن كثيرون من نُسَّاك بلاد الهند، وصدق الله حين يقول عن هذه الأكثرية أيضًا في آية الرهبنة: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد: 27).
ثالثًا: إهانة الجسد، ومواصلة تعذيبه كأساس للرهبانية في ميزان الدين والعقل، لقد رضي الخالق -وهو أعلم بمن خلق- للبشرية أن تمارس حياتها الطبيعية، وأن تتمتع بزينة الحياة الدنيا والطيبات من المأكل والمشرب والملبس، وهذه سنة الله من لدن آدم -عليه السلام، بخلاف الفكر البوذي والنصراني، الذي يتنافس في إهانة الجسد وتعذيبه بزعم التقرب إلى الله، كما أسلفنا أثناء عرض أسس الرهبنة، وجاء الإسلام يعطي كل ذي كل حقٍّ حقَّه، وكان من شعاره: ((إن لبدنك عليك حقًّا))، وحديث الرهط، والذين كان يريد أحدهم أن يعذب جسده بمواصلة الصوم فنهاه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم.