وقد أوضح النبي -عليه الصلاة والسلام- أن الاعتناء بالجسم من مظاهر التقرب إلى الله -عز وجل- في مثل: الوضوء قبل الصلاة، والغسل يوم الجمعة، وفي حب الله -عز وجل- للمتطهرين بإزالة الوسخ والأذى الذي لحقهم، وهكذا هدي الإسلام في العناية بالجسم والمبالغة في طهارته؛ ولأن فطرة الإنسان جُبلت على النظافة، وقد أمر الإسلام بستر العورة، وأخذ الزينة، وفي ذلك قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (الأعراف: 26)، كما قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: 31).
وهكذا جمع الإسلام بين خير الأمرين: أخذ بالحظ المعتدل من الدنيا والأجر العظيم في الآخرة. أما الفكر الرهباني فيتصادم مع العقل والواقع، وينحرف عن الوسطية في الوقت الذي يأتي بالأعاجيب في تعذيب وإهمال الجسد تفريطًا في حقه، وجاء الآخرون من بعدهم مما لا يرضى به المسيح عيسى بن مريم -عليه السلام- إفراطًا فأهلكوا الجسد والروح.
رابعًا: الاعتزال والعزلة كأساس للرهبنة في الميزان: يزعم الفكر الرهباني في البوذية والنصرانية أن العزلة واعتزال الحياة الاجتماعية شرط للانقطاع إلى الله، وأساس للتقرب إليه، والناظر بعين الحق يتضح له أن النصوص الدينية والمسلمات العقلية لا تؤيد ذلك؛ حيث إن سيدنا آدم لم يعتزل الخلق ولا أمر أبناءه بذلك؛ بل شارك في معترك الحياة العامة، وقال الله له في التوراة: "بعرق وجهك تأكل خبزًا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها"، وكأن العمل لا يتوقف حتى ينتهي عمر الإنسان، ثم تستنهض التوراة همم الكسالى، وتضرب